سلفادور الليندي لم ينتحر كما فعل هتلر.. ولم يهرب مثل موبوتو

TT

كتب سمير عطا الله بتاريخ 27 مايو (آيار) 2001 في عموده اليومي انه وبعد ان اطاح الجيش التشيلي بذلك النظام الذي كان سائدا في ذلك الوقت منذ عام 1973، عمد سلفادور الليندي الذي كان وقتها رئيسا لهذه الدولة الى الانتحار!! وعليه ولما كانت هذه المعلومة عن الانتحار غير صحيحة فقد انتظرت حتى يحين موعد حلول ذكرى هذه المناسبة الانقلابية التي تجيء يوم 11 سبتمبر (أيلول) من هذا العام لتصادف الذكرى الثامنة والعشرين على مرورها، والان اكتب لكم ـ املا في السماح بنشر التعليق التالي احياء لذكرى هذا البطل الاشتراكي الكبير ـ وايضا ردا على سمير عطا الله الذي لم يحالفه التوفيق في ذكر حقيقة مصرع سلفادور الليندي.

تقول كتب التاريخ حول حقيقة هذا الانقلاب.. ان حكومة الولايات المتحدة الاميركية كانت قد قررت وبشدة ان تزيل نظام سلفادور الاشتراكي ـ وان تزيح ايضا وبالقوة هذا الرئيس التشيلي من سلطته ـ الذي هو حسب وجهة نظر هذه الحكومة الاميركية ـ قد تجاوز كل الخطوط الحمراء التي لا تسمح اميركا لرؤساء اميركا اللاتينية بتجاوزها! بل ان اكثر ما اغاظ اصحاب الرأسمالية الاميركية ان سلفادور كان قد قام بتأميم مناجم النحاس والحديد والملاحات والبنوك الاجنبية التي هي اغلبها ممتلكات تابعة للشركات الاميركية، وانه تبعا لذلك اقام نظاما اقتصاديا جديدا على حساب سلطة الرأسمالية الاحتكارية الوطنية والاجنبية وسلطة ملاك الاراضي. ولما كانت مثل هذه الاجراءات الهادفة الى حماية الطبقة العاملة في تشيلي تثير خوف اميركا من ان تنتقل (عدوى)! هذا النظام الاشتراكي الى دول لاتينية اخرى خصوصا انها (اميركا) عندها ما يكفي من مشاكل وصداع دائم من كوبا. قررت الحكومة الاميركية ان تضرب سلفادور بنفس جيشه الوطني، فاتفقت سرا مع اغوستو بينوشيه. (الذي كان صديقا لسلفادور وموضع ثقة الحكومة التشيلية فسلمته كل زمام الامور في القيادة العسكرية) بعمل انقلاب يعيد الاوضاع الى ما كانت عليه قبل الاشتراكية ومجيء سلفادور للحكم. واكدت الاستخبارات الاميركية لبينوشيه انها ستكون جاهزة تماما للتدخل لحماية هذا الانقلاب متى دعت الحاجة. وبالفعل تحرك الجيش من ثكناته في 11 سبتمبر (أيلول) 1973 ـ وقام باحتلال الاماكن المهمة وايضا التي سبق ان تم تأميمها. لكن هؤلاء الانقلابيين لم يكونوا يتوقعون وجود معارضة كبيرة ومسلحة سبقتهم الى الشوارع والازقة واقامت فيها المتاريس والحواجز وما كانوا يتوقعون ايضا ان يجدوا الشوارع قد امتلأت بالمتظاهرين والمنددين بالانقلاب. وفي ذاك اليوم جرت عمليات تبادل اطلاق الرصاص بكثافة بين الجانبين وسقطت عشرات الجثث من جراء قصف الدبابات للتجمعات السكنية. كل ذلك وسلفادور الليندي كان وقتها مجتمعا مع اعضاء حكومته في القصر الرئاسي رافضا كل عروض الانقلابيين له بالاستسلام بل تأكيدا منه على موقفه الثابت خرج الى شرفة قصره الذي كان محاطا تماما بالمتظاهرين من اعوانه من جهة، ومن جهة اخرى بالقصر عسكرت قوات الانقلابيين خلف سواتر من السيارات، وحمل (الليندي) مدفعه الرشاش دلالة على الصمود والتحدي. عندها اضطرت القوات الانقلابية للاستعانة بسلاح الطيران لدك القصر بمن فيه وايضا قصف الاخرين من قواته الموالية له في اماكن اخرى. واستمرت عمليات قصف القصر لفترة طويلة نسبة لوجود معارضة ومقاومة شديدة. لكن مع مرور الوقت كان القصر قد دك تماما ومات تحت ركامه سلفادور وبعض من اعضاء حكومته. وبعد ان استتبت الامور تماما وآل زمامها للرئيس الديكتاتور بينوشيه ـ امر جنوده بنبش ركام القصر والبحث عن سلفادور املا الا يكون قد نجا، لكنهم عثروا عليه ميتا ـ وحاضنا بكلتا يديه مدفعه الرشاش الخالي من الذخيرة والرصاص. ومن محاسن الصدف انه كانت هناك في ذاك اليوم فرق اعلامية عالمية كبيرة، قامت بتسجيل وقائع الاحداث لحظة بلحظة. وهي الافلام والصور التي اصبحنا بفضلها نعرف تماما خفايا واسرار ذاك اليوم في تشيلي، وعرفنا من خلالها ان سلفادور لم ينتحر. نقول لسمير عطا الله.. ان سلفادور لم ينتحر كما انتحر هتلر، ولم يهرب كما فعل الكثيرون من الرؤساء والجنرالات الذين كان آخرهم هيلا مريام منجستو الاثيوبي وموبوتو الزائيري، بل مات بشرف وكرامة في ميدان القتال. واليوم وبعد 29 عاما من هذه الاحداث نجد ان اسم سلفادور ما زال في حناجر آلاف من ابناء طبقته الكادحة.. بينما وفي الوقت نفسه يموت وفي بطء شديد خزيا وعارا قاتله بينوشيه.