مؤتمر ديربان ضد العنصرية.. التاريخ أقدر على اسقاط الأقنعة

TT

النازية سقطت وهي في جذوة جبروتها وأوج سيطرتها وتوسعها، لكنها سقطت والى الحضيض. والعقيدة النازية استنفرت كل طاقاتها لتثبيت سيطرتها على العالم بالسلاح والاعلام والمال، لكنها لم تستطع الا ان تكون عنصرية ولذا سقطت. والنظام العنصري في جنوب افريقيا سقط ليس من ضعفه، بل من عنصريته، واذا كانت العنصرية نزعة تميز بين بني البشر تبعا لمعايير بيولوجية وخصال وراثية وتعصب وتمييز عرقي، ألم يكن هذا قائما في جنوب افريقيا؟ وهل باستطاعة الاسرائيليين ان ينفوا وجود هذا التمييز القائم بينهم وبين العرب في ارض فلسطين؟ لا اظن ان كلام الحاخامات اليمينيين تلامذة المدرسة الصهيونية بنعت العرب بالافاعي وبأن ظفر كل يهودي يساوي مليون عربي، يدل على رغبة بانتماء هؤلاء الى حظيرة بني البشر، بل انه يدخل في صميم مفهوم العنصرية بالتعالي والتعصب والانغلاق. المؤسف فعلا ان اليهودي يعرف الكثير عن هرتزل، مؤسس الصهيوينة ولا يعرف شيئا ولربما القليل عن نيتشه واينشتاين وكارل ماركس وجميعهم يهود عملوا على تقديس الانتماء الانساني وتركوا بصمات لا تمحى في تاريخ التصالح البشري، لذا ليس بالغريب ان نرى هذا الانسحاب اليهودي من ساحة مقاومة العنصرية، بل واذا صح التعبير، الغلو بها تحت شعار الدين والايمان.

العنصرية جعلت من مانديلا يخرج نموذجا للانسان المقاوم للعنصرية وقد عامل جلاديه بحلم وعدل ومساواة بعد المعاناة. فهل يعقل ان يتحول ضحايا المحرقة الى جلادين؟ وهل يعقل انه من رحم معاتاة اليهود لم يولد زعيم يقف بعظمة مانديلا كي يقول لا للقتل والتعسف والتمييز والقهر؟ لقد قام مارتن لوثر كنغ في الولايات المتحدة وزجر بأعلى صوته «لدي حلم» وهو ان يرى المساواة والعدالة تسود المجتمع الاميركي الذي يضم بين ظهرانيه كل قوميات العالم ومشارب البشرية ومثله كان ابراهام لنكولن، ألا يتسع المجتمع اليهودي والدين اليهودي الى مارد يصرخ كفى؟

لا شيء يبرز حصول المحرقة إلا اذا تحول المجتمع الاسرائيلي في طليعة دعاة السلام والمحبة والتعايش، ولا شيء يمحو ذاكرة العذاب والتعصب من ذهن المجتمع الاسرائيلي سوى رفض الاذلال والسيطرة والتوسع وحرمان الآخرين من المساواة والعدالة والامن والسلام، خصوصا تجاه العرب الذين لا علاقة لهم بما عاناه اليهود الاوروبيون من قهر وظلم وتحول المجتمع الاسرائيلي من احزاب عنصرية تريد ان تسود بالقتل والتهجير والقوة الى معسكر للسلام. يكفي ان يرى الانسان ما يجري على الارض من فصل بين المناطق الفلسطينية والاسرائيلية وقطع اوصال القرى في هذه المناطق وتدمير بيوتها او يرى معاناة دروز الجولان المحتل في فصل القرية الواحدة والعائلة الواحدة عن بعضها بعضا، وكما يحصل الآن لقرية الغجر في جنوب لبنان والصمت المطبق حول هذا كي يدرك مدى اللامبالاة لأبسط الشروط التي تتنافى مع العنصرية والقهر والاذلال. فهل اذا استطاعت الصهيونية ان تمنع اسقاط القناع عن وجهها في مؤتمر ديربان والوقوف في وجه قرابة ثلاثة آلاف وستمائة منظمة غير حكومية تمثل اصقاع العالم بمن فيهم يهود معادون للصهيونية؟