المزيد عن أشقياء بغداد

TT

ورد تعقيب للسيد مدحي محمود في العدد 8302 من «الشرق الأوسط» حول موضوع كتبه خالد القشطيني في زاويته الثابتة عن اشقياء بغداد ومن بينهم ابراهيم عبدكه. واود ان اصحح للقارئ المذكور بأن عبدكه لم يطلق سراحه عندما القي القبض عليه وانما قدم الى المحاكمة في يوليو (تموز) عام 1921 وحكم عليه بالاعدام شنقا، وبالحاح شديد من الانجليز، الا ان تدخل الملك فيصل الاول شخصيا حال دون تصديق الحكم، واستعيض عن عقوبة الاعدام بالحبس مدة 15 عاما قضاها كلها وخرج ليحصل على وظيفة في ما بعد في بابل الاثرية، حيث كان قد استقر وعائلته في منطقة تسمى «السرحة» التي تقع ضمن محلة الوردية في مدينة الحلة، وهي نفسها التي كنت اسكن فيها. وكان ابراهيم عبدكه جارنا آنذاك. وعندما قتل في سبتمبر (ايلول) عام 1954 كنت تلميذا في المدرسة الابتدائية. ولان شهرته قد سبقته في الشجاعة والخلق فقد عاش حتى مصرعه بين كبار يجلونه وصغار من مثلنا كانوا يحاولون الاقتداء به. وما زلت اتذكر امورا عديدة لها صلة بتلك الجيرة فيها جانب من الطرافة، وسأبعث بتفاصيلها الى القشطيني اذا ما رغب في ذلك عندما يعود ثانية ليتذكر الاشقياء وايام زمان، منها ان عبدكه في سنواته الاخيرة قد اعتاد الذهاب الى مقهى قريب من بيته يقع على شط الحلة، وفي طريق رواحه ومجيئه كنا نحن اولاد المحلة عندما نلحظه نستعد ونترك لهونا لنقوم بحركات متكلفة تعطي الانطباع بقوتنا البدنية، وكان يكتفي بالابتسام ويفرح في داخله لهذا المشهد الذي يتكرر في كل مرة، وقصة ذلك تعود الى انه رآني ذات مرة احمل سلة خضار وانا اترنح بثقلها منحني الظهر فأوقفني قائلا: يا ابني اراك دائما تمشي منحني الظهر بسلة او بدونها، فكيف حالك عندما تكون عجوزا؟ هيا اعدل قامتك وارفع صدرك ولا تنظر الا للامام والا شكوتك للمختار، وكان يقصد والدي مازحا لانه كان مختارا للمحلة. وبعد ان حكيت لرفاقي ما قاله لي صار كل منهم يحرص ان يعدل قامته وينفخ نفسه كالديك ما ان يرى عبدكه قادما بدشداشته البيضاء ونعله ـ ابو الاصبع ـ وبشرته البيضاء الضاربة الى الحمرة وعباءته التي كان يتميز بها عن اقرانه بأن يطويها بعناية عدة طيات وينشرها من منتصفها على كتفه الايمن، وهذه الطريقة لها حكاية لا مجال لها في هذه السطور.

لقد طلب السيد مدحي الاسهاب في الحديث عن هذا الرجل ـ ابراهيم عبدكه ـ وقد يتفق معي ان قلت له ان هناك الكثير ممن لعبوا دورا متميزا وتركوا بصماتهم سلبا او ايجابا ولم يأخذنا الحماس للكتابة عنهم وتوثيق احداثهم بنفس القدر الذي يحظى به المغنون والممثلون في ايامنا هذه.. ايام الاعلام المرئي الذي ينتج المشاهير!