السودان.. ضرورة ايجاد مفهوم للأحزاب يتماشى وعصر العولمة

TT

بعد مسيرة اكثر من أربعين عاماً من الاستقلال نجد أن غياب الديمقراطية داخل تركيب الأحزاب نفسها ، أدى إلى زوالها من السودان وأن الأحزاب ذات الآيديولوجيات المتيبسة التي تأتي عبر الانقلابات من أقصى اليسار الى أقصى اليمين لعبت دوراً كبيراً في اهلاك الحرث والنسل وتشريد الكفاءات السودانية. وإن كثرة الأحزاب السياسية وأطرها الضيقة تدل على تدني الوعي السياسي في مفهوم الحزب نفسه ومفهوم الديمقراطية.

واذا أردنا أن نجد تعريفاً معاصراً لمفهوم الحزب، فسنجد أنه إطار سياسي يحمل برنامجا محددا، ويعبر عن وجهة نظر بعينها، وبعد أفول الآيديولوجيات ونحن على أعتاب ألفية جديدة فى عصرالمعلوماتية، بعد وفاة الآيديولوجيات فإن ملامح الحزب المعاصر تتمثل في أن يكون إطاراً سياسياً وطنياً يتمحور في برنامج مباشر تنموي وخدماتي وبيئي يتعامل بصدق مع قضايا الناس الملحة ويعبر عن كل أبناء الوطن الواحد.

من عيوب الأحزاب السودانية قديمها وجديدها أن قادتها ورؤساءها وأعضاء لجانها المركزية يبقون أعضاء دائمين الى أن يواروا الثرى، وتتحول تلك الأحزاب الى «عزب» واقطاعيات خاصة بأسرة معينة أو شلة معينة، مما جعلها تتمثل ديكتاتوريات على قواعدها، ترفع شعارات الحرية وتتغنى بها وتهاجم الطغيان وترفض الديكتاتورية ولكنها تمارسها في أطرها وقواعدها، وتقمع آلية الرأي والرأي الآخر، لذلك تفتت وتشظت عبر الزمن وبرزت ظاهرة الأجنحة الرؤوس مما أفقدها مصداقيتها مع نفسها ومع الآخرين فانصرف عنها الجمهور الذي شكل حزب الأغلبية الصامتة.

نحن في السودان في حاجة إلى أحزاب سودانية .. نريد أحزابا تؤمن بالرأي والرأي الآخر عبر وسائل الإعلام المعروفة وتحترم وعي الشعب، أحزابا تفهم أن مفاهيم الخمسينات والستينات والسبعينات لم تعد تصلح الآن في عصر يشهد ثورة في عالم الاتصالات وأضحى العالم قرية صغيرة تتمتع بشفافية عالية حيال الإنسان وحقوقه ومتطلباته وتوفير سبل الحياة الكريمة الآمنة المتمثلة في التنمية والسلام العادل.

وفي الختام لا يسعني إلا أن أذكر أهلنا في السودان ببيت الشعر الشهير:

أمرت لهم أمري بمنعرج اللوا فلم يستبينوا النصح الا في ضحى الغد