عبد الكريم قاسم.. ثلاثة أهداف حرفت ثورة تموز العراقية

TT

قرأت في عدد صحيفتكم المؤرخ في 2001/9/9 رسالة بقلم حمزة الكاظمي وهو يحاول الدفاع عن دكتاتورية عبد الكريم قاسم، وتعليقا على ذلك فإن قاسم قام بتحقيق ثلاثة اهداف كبرى حرفت ثورة 14 تموز عن مسارها فحولتها الى الضد من الاهداف التي استهدفتها، وهذه هي:

1 ـ القضاء على الضباط الاحرار الذين خططوا ونفذوا ثورة 14 تموز بالقتل والسجن والتشريد، فخلية جلولاء للضباط الاحرار كانت تضم اربعة ضباط اضافة الى الشهيد ناظم الطبقجلي وعبد السلام عارف وطاهر يحىى فقام باعدام الزعيم الطبقجلي وحكم بالاعدام على عارف وسجن طاهر يحيى هذا اضافة الى العدد الكبير من الضباط الآخرين.

2 ـ الانحراف عن الهدف الاساسي لثورة 14 تموز وهو الوقوف الى جانب مصر ضد دول العدوان الثلاثي وبقية الدول الاستعمارية، فحول قاسم المعركة الى الضد من مصر علما بأن مصر هي اول دولة اعلنت اعترافها بثورة 14 تموز وبحكومة الثورة واعلنت ان اي اعتداء على العراق هو اعتداء على مصر وهذا موقف كبير جدا، اذ تتحدى مصر كل دول الاستعمار من اجل الحفاظ على العراق وثورته.

3 ـ تعاونه مع الشيوعيين واطلاق يدهم وتشجيعهم على اقامة المجازر الدموية وحمامات الدم ومهرجانات الذبح والسحل واستباحة المدن واقامة افظع المآسي في تاريخ العراق منذ عهد هولاكو، واظهر الشيوعية على حقيقتها الدموية الاجرامية وبعد ذلك انقلب عليهم وسحب يده منهم، لأن غضبة الشعب العراقي المسلم اخذت تتجاوز الشيوعيين الى قاسم الذي سمح لهم بهذه المجازر ولم يعفه الشعب منها حتى انفجر الشعب والجيش صبيحة يوم الرابع عشر من رمضان المبارك بثورة عاصفة اجهزت عليه وعلى حكمه الاسود. وقد حقق قاسم بهذا هدفا غريبا باظهار حقيقة الشيوعيين على حقيقتهم الاجرامية واستحقاقهم للعقوبة وبذلك حقق الغرب هدفه بازالة الشيوعيين عملاء الاتحاد السوفياتي عدو الغرب، لكن بجرائم اقترفوها.

هذه الامور الثلاثة تثير الشبهة حول قاسم واتصالاته الخفية مع الانجليز. ومما يؤيد ويقوي هذه الشبهة قول المهداوي، الى خالد قاسم ورئيس المحكمة القاسمية التي ساقت الكثيرين من ابناء العراق ومنهم قادة ثورة 14 تموز الى ساحات الاعدام. «كان لقاسم قبل الثورة جار يسكن بالقرب من داره وهو من كبار جواسيس الانجليز وكان قاسم على صلة شديدة بهذا الجاسوس»، واضاف المهداوي متفانيا لدفع هذه الشبهة «انه كان يتعجب بينه وبين نفسه اذ كيف تقوم هذه الصداقة بين رجل وطني كتوم ـ حسب ادعاء المهداوي ـ وبين احد جواسيس الانجليز، فلما قامت الثورة عرفت ان قاسم كان يخدع هذا الجاسوس». واذا عرفتم بأن قاسم، وكما يصفه مرافقه الخاص جاسم كاظم العزاوي الذي لازمه ملازمة الظل للشخص سنوات طوال، كان ثلاثة ارباع امي، فكيف تمكن من خداع هذا الجاسوس الانجليزي؟! يقول الدكتور جابر عمر اول وزير للتربية ـ المعارف ـ في حكومة الثورة «إن حضور قاسم حفلة السفارة البريطانية لتوديع السير مايكل رايت الذي عقد حلف بغداد والمخطط لسياسة العراق السعيدية»، مما يؤكد هذه الشبهة، وحتى اقالة عبد السلام عارف والحكم عليه بالاعدام فإنه تم بناء على تقرير للسفارة البريطانية في العراق قدم الى قاسم تقول فيه «انه تأكد لديها ان عارف يدير خطة لقلب نظام الحكم للاطاحة بعبد الكريم قاسم».

4 ـ موقف عبد الكريم قاسم عند تنفيذ الثورة لا يخرج عن كونه موقفا مشبوها لا يخرج عن نطاق المخطط المرسوم له بجني ثمار الثورة والاستحواذ على السلطة بدون ان يعرض نفسه لاية مخاطر، اذ انه جلس خارج بغداد في منطقة خان بني سعد ينتظر انتصار الثورة التي نفذها بجسده وروحه الرئيس عبد السلام عارف الذي اقتحم بغداد قاعدة حلف بغداد واسقط الملكية واعلن انتصار الثورة. وفي ظهر يوم 14 تموز جاء قاسم الى بغداد ليقطف الثمار. وأي نظرة عسكرية محايدة لهذا الموقف لا تستطيع الا ان تؤكد ان قاسم وعلى هذا البعد من بغداد ـ ساحة الاحداث، لم يكن ضمن خطة لانقاذ قوات الثورة اذا ما تعرضت لأي مخاطر، ونظرا لكونه الضابط الاقدم اصبح هو الحاكم الاوحد وهذا اكبر خطأ وقع فيه الضباط الاحرار، اذ انهم طبقوا قواعد الضبط العسكري اللازمة في النظام العسكري على قواعد الحكم وادارة شؤون البلاد التي يجب ان تكون بالشورى. وبناء على قواعد الضبط العسكري اصبح قاسم باعتباره الضابط الاقدم رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع وكالة وحاكما مطلقا دكتاتورا لا يقبل اي نقاش او اعتراض، على الجميع، عسكريين ومدنيين، تنفيذ أوامره ومن دون نقاش اذ أن القاعدة العسكرية تقول نفذ ولا تناقش. وبذلك فإن قاسم تسلط على الحكم بسبب الاقدمية وليس لدوره الفاعل في تخطيط وتنفيذ الثورة او لكفاءة فكرية او امتياز في الوعي السياسي، يميزه عن بقية الضباط الاحرار اذ انه ثلاثة ارباع امي حسب وصف مرافقه. (انظر كتاب ثورة 14 تموز 1958 في العراق)، لمؤلفه ليث الزبيدي، وكذلك كتاب قصة عبد الكريم قاسم كاملة لاحمد فوزي وكتاب (اضواء على حكم عبد الكريم قاسم) لهلال ناجي وكتاب (ثورة 14 رمضان المباركة ونهاية الطاغية الأرعن واعوانه) لمؤلفه عبد الكريم العزاوي، وكتاب (خناجر وجبال لاحمد فوزي)، وكتاب (اضواء على مجزرة الموصل لهلال ناجي) وكتاب (الاجرام الشيوعي في العراق) لمؤلفه سالم علي محمد وكتاب (العراق الشهيد والخطر الشيوعي) لمؤلفه عبد الحفيظ محمود.

5 ـ ادت سياسة عبد الكريم قاسم والشيوعيين الى تمزيق الشعب العراقي واقامة حمامات الدم ومجازر السحل والقتل والذبح وايام الرعب السوداء واهانة مشاعر وعقائد الشعب العراقي الى قيام ثورة 14 رمضان الوطنية بقيادة القائد الفعلي لثورة 14 تموز الرئيس عبد السلام محمد عارف، ولا يغير من وطنية هذه الثورة التي كان على رأسها ضباط ثورة 14 تموز الذين تعرضوا لغدر وخيانة قاسم لهم، ولا تخدش وطنية هذه الثورة المباركة ادعاءات باطلة تنسب لهذا أو ذاك ولا تستند الى اساس متين أو مبادئ موضوعية علمية وانما الى شهوات جاهلة (انظر كتاب المهداوي لمؤلفه أحمد فوزي) وكتاب (ثورة رمضان تأليف باهرة الحمداني) وكتاب (ثورة 14 رمضان لاحمد فوزي) وكتاب (ثورة 14 رمضان من تأليف محمد شكري العزاوي) وكتاب ( ثورة 14 تموز وحقيقة الشيوعيين في العراق) تأليف خلدون الحصري وكذلك كتاب (الى اين يسير الشيوعيون بالعراق) تأليف انعام الجندي، وكذلك كتاب (الحزب الشيوعي العراقي في الميزان) تأليف هاشم البناء.

وبذلك فإن ثورة 14 رمضان المباركة كانت بحق ثورة وطنية حمل ابناء العراق الغيارى ارواحهم على راحاتهم وهدف الثورة التخلص من حاكم دكتاتور ليس له ادنى اعتبار لكرامة الوطن والمواطن. وكانت الثورة ثأرا لنفوس بريئة ازهقها عبد الكريم قاسم واعوانه الشيوعيون بغير حق وكان على رأس ثوار 14 رمضان ابطال ثورة 14 تموز التي اسقطت الملكية المرتبطة بالاستعمار في العراق. وعندما قامت الثورة اصدر الشيوعيون بيانا يدعون فيه انصارهم للتصدي للثورة ونجدة قاسم واعادة مجازر السحل والقتل وحمامات الدم فتصدى لهم الشعب والجيش وصدر البيان رقم (13) بالتصدي لهم ودفع شرهم عن العراق وشعبه وهذا ما كان وكتب الله تعالى النصر للعراقيين على الشيوعيين الدمويين.