لو أراد الغرب الخير للسودان لنقب على البترول في شماله

TT

تعليقا على مقال بكري الصائغ الوارد في صحيفة «الشرق الأوسط» بتاريخ الاربعاء 14 نوفمبر عام 2001 بعنوان «النفط السوداني.. الكعكة في يد اليتيم» ليعذرني من أتوْا بعدنا فلأكثر من اربعين عاما نحن خارج الوطن العزيز لكن الذي اعرفه ويعرفه كثير من السابقين ان الانجليز كانوا يعرفون وكذلك الكثيرون من الوطنيين المتنورين ان السودان (يعج) بثرواته المعدنية شماله وشرقه وفعلا جاءت بعد فتح السودان من اواخر القرن التاسع عشر والى اوائل القرن العشرين الى ما قبل نشوب الحرب العالمية الأولى في اغسطس عام 1914 جاءت (جحافل) من المستثمرين الأوروبيين بقيادة الكونت رودلف فون سلاتين باشا الذين عين مفتشا عاما للجيش وأخذ على عاتقه تنشيط السياحة في السودان بجانب اعماله الأخرى. وجاء مستثمرون للتنقيب عن المعادن كان آخرهم المستر بيشوب من اواخر الاربعينات الى اوائل الخمسينات في القرن الماضي الذي بدأ العمل في منجم للذهب في جهات (ابو صاري) مركز وادي حلفا، كان هناك خبير واحد (بريطاني) في الجيولوجيا منكب على الخرائط وكل ما يتعلق بالثروة المعدنية، كان الانجليز يدفعون السودان دفعا ليكون بلدا زراعيا ليظل متخلفا بعيدا عن التعدين وعن الصناعة. حتى انه عندما بدأت صناعة محلية (واجبرت الحرب العالمية الثانية) ان يقوم الانجليز بتصنيع كل شيء من ماكينة السيارة الى الجاروف في مصلحة المخازن والأسلحة والمهمات ومصلحة النقل الميكانيكي واستوعبت الآلاف من العمال سرحت هذه الجيوش العمالية النافعة بمجرد انتهاء الحرب وبدأ وصول ما تنتجه المصانع البريطانية لاحتياجات السلم.

ثم جاء الاستغلال وتولى الأستاذ ابراهيم المحلاوي وزارة الصناعة وكان مهتما بمسألة البترول السوداني واختار حوالي اربعين طالبا نابها بدأ في تدريسهم اللغة الالمانية ليذهبوا الى المانيا ويدرسوا هندسة البترول لأنه يعرف ان الانجليز لن يعطوا مثل هذه المعلومات لابناء الدول المتخلفة.

وبدأت الدراسة لمدة ستة أشهر وخرج المحلاوي من الوزارة و(كما يحدث في الدول المتخلفة جاء وزير من بعده قال للطلبة (يا اولاد روحوا شوفوا شغلكم ـ بلا بترول ـ بلا خرابيط) او كما قال.

وفي عام 1960 عمل قانون البترول لعام 1960 وعلى ما اذكر يصرح لمن يريد التنقيب في مساحة معينة ان يدفع ما مقداره مبلغ خمسة آلاف دولار اميركي سنويا وجاءت شركة اجب وهي شركة في ذلك الزمن (تصفي البترول) وعممت محطاتها ومكثت لاكثر من خمسة عشر عاما لم تستخرج قطرة بترول واحدة وعرفنا فيما بعد ان الشركات السبع الكبيرة في العالم تحرض الشركات الصغيرة (التعبانة) لتجمد الوضع في مكان ما ـ اي لا تستخرج البترول ـ وتدفع لها الشركات الكبيرة اتعابها زائد ما يتيسر من ربح.

وجاء هذا الكلام قبل خمسة وعشرين عاما او اكثر في صحيفة «ريدرز دايجست» الاميركية.

اخبرني الوالد انهم كعادة اهل الشمال يسبحون في البحر (النيل) وكانوا يلاحظون في ايام القيضان ان المياه تصل الى جبل دلقو المحس وانهم يلاحظون مادة سوداء تخرج من فوهة الجبل وتختلط بمياه النيل فتخلف اثرا ملونا في الماء مثل الأثر الذي تخلفه الزيوت علما بأنه في ذلك الوقت اوائل القرن العشرين (لا توجد وابورات) او خلافه في منطقة المحس، من البديهيات المعروفة ان الصحراء من شمال ام درمان الى دنقلا الى حدود ليبيا ومصر رآها الاميركيون من الـ(سكاي لاب) وغيره من (طرق الاستشعار عن البعد) رأوا الأرض ملتهبة من شمال أم درمان الى دنقلا الى حدود ليبيا ومصر ملتهبة بالبترول مثلها مثل بطن الجزيرة العربية والصحراء الليبية، ومسألة استخراج البترول مسألة سياسية واقتصادية بحتة، فلو أراد الأميركان خيرا بالسودان لنقبوا في شماله بدلا من تخريب غاباته في الجنوب والغرب ايضا واصبحنا في مأزق مع ابناء الجنوب والغرب.

فلا خرج البترول ولا سلمنا منهم ولا يخرج البترول إلا ابناؤه ولقد كانت نظرية ابراهيم المحلاوي في (محلها) رحمه الله رحمة واسعة ولكن في البلاد المتخلفة كل ما جاء وزير (يكسر) ما بناه الوزير السابق ليس لأن ما بناه او فعله الوزير خطأ ولكن الوزير الجديد يود ان يأتي بما لم تستطعه الأوائل إلا من رحم ربي.