فلنبن جدارا من الصمت حول إسرائيل

TT

ان الطريق الى الانتصار في معركتنا مع اسرائيل يجب ان يبدأ بمراجعة شاملة لاستراتيجيات المواجهة. الانتفاضة، كفكرة وكمفهوم، لا غبار عليها. ولكن الانتفاضة كمواجهة عسكرية مع اسرائيل، في الوقت الحالي بالذات، تعد ضربا من ضروب الانتحار الجماعي، وهذا بالضبط ما تريده اسرائيل، وايضا اميركا، والتي كشفت بشكل لا يدع مجالا للشك، سوى في عقول البسطاء، عن تحيزها العنصري لاسرائيل. ان الحل لن يأتي من اميركا ولا من اوروبا ولا من اي مكان، الحل يجب ان ينبع من عقولنا ومن قدرتنا على المناورة وابتداع اساليب غير تقليدية للمواجهة تؤدي الى ارباك الخصم ولكن كيف؟ ان الذات الهجومية لاسرائيل تتضخم وتزداد توحشا بسبب عملية التغذية المرتدة التي تتم بينها وبين الفلسطينيين، وكلما ادى رد الفعل الفلسطيني الى اراقة دم اسرائيلي، تضخمت تلك الذات وتوحشت.

كيف يمكن التعامل مع دولة قوية عسكريا، مريضة نفسيا، تقود نفسها وكل من حولها الى الدمار، وتتمتع بحماية الدولة العظمى في العالم، والتي اصبحت، بعد احداث سبتمبر الماضي، في نفس حالة الوعي المرضي الذي تعاني منه اسرائيل؟ هل الحل يكون بالصراع؟ في وقت ما بدا هذا امرا معقولا، كوسيلة لتنبيه العالم الى المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وذلك في ظل المراهنة على دور اميركي واوروبي لمصلحتنا. ولكن هذا الشرط لم ولن يتحقق. اذا كانت التغذية المرتدة هي من احد عوامل تضخم الشهوانية العدوانية لشعب مصاب اصلا بعقدة الاضطهاد، اليس من المنطقي ان نستنتج ان الحل لوقف تضخم هذه الذات، وتحجيمها واعادتها الى حالتها الاصلية المتواضعة هو ايقاف تغذيتها؟ فلنبن جدارا من الصمت حول اسرائيل، نعضد به الجدار الحديدي الذي تريد اسرائيل ان تبنيه حول نفسها. فليجتمع كل اهالي الخليل، في صمت تام، ويجلسون محملقين في المستوطنين والجنود الاسرائيليين 24 ساعة في اليوم، دون ان يتحركوا ودون ان ينبسوا ببنت شفة، ولو حتى الى وسائل الاعلام العربية والغربية، والتي يجب ضمان تواجدها لتسجيل الاحداث.

فليجتمع فلسطينيو الشتات بالعشرات والمئات بل والآلاف هم والمتعاطفون معهم من ابناء البلدان التي يعيشون فيها شرقا وغربا، في اعتكاف صامت ودائم امام سفارتي اسرائيل والولايات المتحدة، رافعين شعارات بسيطة: الا تعلمون ان الفلسطينيين ايضا بشر؟ لقد اخطأت اسرائيل وما زالت تتمادى في الخطأ في حق الفلسطينيين وايضا في حق الشرفاء من ابنائها، وهم للاسف قليلون، ويجب ان تعاقب. الجلد والضرب. والقتل وسائل عقاب بدني سريعة المفعول، ولكنها وسائل بدائية وهمجية وايضا غير ممكنة في الوقت الحالي نظرا للتفوق العسكري للعدو. ما نحتاجه في معركتنا مع اسرائيل وسيلة عقاب من نوع آخر، وسيلة عقاب نفسي، لا تسفر عن اراقة دماء المزيد من البشر، حبس انفرادي في ركن صغير شرقي البحر المتوسط. فلنبن جدارا من الصمت حول اسرائيل يجعلها تتحاور وتتصارع وتتفتت ذاتيا، لا بيع ولا شراء، ولا مفاوضات سوى بعد الانسحاب الى حدود 4 يونيو 1967، بما في ذلك الجولان، ويمكن آنذاك، وبعد اعلان الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة ان يتم التفاوض حول قضيتي القدس واللاجئين وكذلك الترتيبات الامنية التي ربما تجعل اسرائيل تشعر بالامان في عالمها المليء بالاشباح السوداء والحمراء يجب ان نشرع في بناء هذا الجدار اليوم قبل غد، ويجب ان نعمل على اعلائه يوما بعد يوم وتوسيع قاعدته لتشمل اولا الضفة الغربية وغزة وعرب اسرائيل، ثم الدول العربية، بالذات على المستوى الشعبي ومستوى رجال الاعمال والتجار، الذين يجب ان يتكاتفوا في مقاطعة المنتجات الاسرائيلية والاميركية.

فقط عن طريق تحويل مفهوم الانتفاضة من مواجهة عسكرية لا يمكن لها ان تحسم المعركة، وان كانت قد حققت بعض المكاسب المبدئية، الى انتفاضة صامتة تنقل ميدان المعركة من الارض الى وعي وعقل اسرائيل والغرب والعالم كله. انتفاضة من هذا النوع يجب ان يخطط لها جيدا، ولدينا ما يكفي من الخبراء في مجالات الاعلام والعلاقات العامة والاتصال وعلم النفس لوضع تصور يجب حينئذ ان يتبناه السياسيون ويلتزموا به، اولا في فلسطين ثم بعد ذلك في باقي الاقطار العربية بغض النظر عن التفاصيل، يجب ان نتحرك جميعا سريعا وبذكاء. استحلفكم الله، الا يوجد عاقل بيننا؟ اللهم اني بلغت اللهم فاشهد.