الأمازيغية لغة قائمة بذاتها

TT

قرأت في صحيفة «الشرق الأوسط» يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) للاستاذ عبد الحق المريني، مدير التشريفات والأوسمة بالقصر الملكي، مقالا بعنوان «دوران منسجمان للعربية والامازيغية في المغرب» يعبر فيه سيادته عن رأيه في الضوابط التي ينبغي ان تنضبط بها العلاقات بين «اللغة العربية» وبين «اللهجات الامازيغية» في النسق الاجتماعي والثقافي والحضاري المغربي. فلقد فهمت اول وهلة من قراءة المقال ان دافع الغيرة الوطنية وحده هو الذي ألح على الاستاذ عبد الحق المريني وزحزحة عن موقفه المعتاد المتسم بالتحفظ والالتزام بالحياد في كل قضية من شأنها ان تكون مثارا للجدل، غير ان التعليق الذي ذيل به المقال (يعبر عن رأيه كأكاديمي) دعاني الى اعادة القراءة لاتاكد من أن الرأي المعبر عنه رأي اكاديمي صرف، فوجدت ان الأمر ليس كذلك.

وحجتي في الموضوع ان الاستاذ عبد الحق لم يوظف في استدلاله الا المنطق السياسي والمنطق الديني، وذلك «للبرهنة» على صحة اطروحته الاكاديمية الأساسية، الا وهي ان ليس هناك وجود للغة امازيغية، وان هناك لهجات لا يمكنها ان ترقى الى مستوى اللغات، فكأن الاستاذ عبد الحق نسي، عن حسن نية نابع من عمق المشاعر الوطنية التي نشأ عليها جيله من المغاربة في الظروف التاريخية القاسية المعروفة، ان الحجة السياسية والحجة الدينية قليلتا الفائدة في التحليلات العلمية الاكاديمية، فالحقيقة العلمية، على سبيل المثال تفرض التسليم بأن اللهجة، اية لهجة، لا يمكن ان تكون الا صورة مبسطة للغة معينة قائمة بذاتها «لسانيا». فالحسانية مثلا ـ على ذكر الحسانية الوارد في المقال ـ لهجة عربية، اللغة الأصلية فيها هي العربية. اما «الريفية» و«الأطلسية» و«السوسية» فلهجات امازيغية تفرعت كلها عن اللغة الأم، اللغة الامازيغية، بمفعولي التاريخ والجغرافيا. وبمقارنة جميع اللهجات الامازيغية، المغربية منها وغير المغربية، يستقرأ بيسر فقه اللغة الأمازيغية «الفصيحة» (اضع الصفة بين مزدوجتين لان الفصاحة المطلقة الخالدة لا وجود لها، على عكس ما يعتقده كل غيور على القديم من لغته). وللتذكير، اقول ان اللغة العربية نفسها انما استقرأ فقهها اللغويون المسلمون من عجم وعرب، استقرؤوه من لهجات قريش وهذيل وتميم وطيء.. وغيرهم. وقد كان لطرائق استقرائهم مالها وما عليها، بادية آثارها الايجابية والسلبية معا الى يومنا هذا.

الامازيغية، بصفتها لغة، لم تنزو على نفسها انزواء نسبيا، في العهد الاسلامي، الا بمعفول العقيدة الذي آزره بقوة المفعول السياسي المكثف في عهدي الاستعمار والاستقلال المتعاقبين من سنة 1912 الى يومنا. ومما يجدر بنا ان نراعيه، هو ان المفعول العقدي صائر الى فتور رغم ما يظهر على سطح الأمور، وذلك لسبب بسيط، هو ان الوعي بكنه الاشياء اخذ يشمل العقول كلها، فلئن كانت «الخاصة» قديما، في الشرق والغرب على السواء، تستغل سياسيا رأسمال العقيدة على حساب «العامة» فمن الواضح ان الأوضاع تغيرت في الغرب، تدريجيا منذ القرن الثامن عشر، وانها اخذت تتغير في الشرق، تدريجيا لكن بتسارع.. وهذا موضوع آخر.

اما برهاني على ان الامازيغية لغة قائمة بذاتها، فلا يمكن لعجالتي هذه ان تتسع له، لقد ضمنته كتيبا بعنوان «الامازيغية، بنيتها اللسانية» (نشر «الفنك» سنة 2000). لكم ان تنشروا محتوى الكتيب متى شئتم إن نشرة واحدة، وإن في حلقات متسلسلة، سأرسل اليكم نسخة منه في الأيام القليلة القادمة.