أول مداميك التنمية التعليم

TT

لا شك ان قضية التنمية، من القضايا المعقدة، وتحتاج الى الكثير من جهود الباحثين والمتخصصين في مختلف الميادين. كذلك لا بد من الأخذ بعين الاعتبار مسألة الخصوصية الثقافية والاقتصادية في كل بلد على حدة. لأن العقود الأخيرة من القرن العشرين شهدت نماذج تنموية مختلفة ومتفاوتة، واحيانا متناقضة، وبشكل جذري مع النموذج الغربي الليبرالي (الأوروبي أو الأميركي). فنظرية «دعه يعمل، دعه يمر» التي أطلقها الاقتصاديون الأميركيون في مطالع القرن الماضي، التي لخصت مفهوم آليات الاقتصاد الحر في اطار الديمقراطية، اصطدمت بتجارب ناجحة وشكلت نماذج يحتذى بها على مدى اربعة عقود على أقل تقدير، مثل ما كان يعرف حتى الثمانينات بـ«النموذج المكسيكي»، الذي قام على الاقتصاد المخطط حكوميا في اطار نظام سياسي ديكتاتوري باسم الحزب الواحد وحكم البلاد منذ الثلاثينات. كذلك جاءت بضوئه تجربة التنانين الشرق اسيوية، ناهيك من النموذجين المميزين بخصوصيتهما، المانيا واليابان. فثقافة الولاء للأمة او للزعيم (الامبراطور ـ المستشار) لعبت دورا في غاية الأهمية بتنمية البلدين وربما يوازي دور الليبرالية السياسية. فمثلا بسمارك اعاد توزيع الثروة الألمانية مرتين متتاليتين.

ومع ذلك لا اريد مناقشة هذه النماذج في هذه المقالة، وانما عرضت لها بشكل سريع بهدف التأكيد على مسألة الخصوصية، والتشديد على أن ما نفع وكان مجديا في بلد ما ربما يكون كارثيا في بلد آخر وهذا ما حصل في الهند خلال فترة «الثورة الخضراء» في الستينات، رغم ان الهند لديها ديمقراطية عريقة، ولم تتعثر منذ انطلاقتها في مطلع الخمسينات.

ما زلنا في العالم العربي نسمع عن خطط تنموية وانجازات ضخمة في هذا البلد او ذاك منذ عهود الاستقلال ويجري الاحتفال بالعهود الميمونة وانجازاتها الخالدة سنويا دون خجل.

بينما الواقع يؤكد تراجع الأداء التنموي في جميع البلدان العربية، ربما باستثناءات قليلة من البلدان النفطية. فالسؤال الذي أود طرحه في هذه المقالة للمناقشة هو التالي: ما هي اولى مداميك التنمية؟

باعتقادي ان الاستثمار في حقل التعليم التأسيسي، هو من أهم الخطوات وأسرعها في مشوار التنمية والثابت بما لا يقبل الشك ان لدينا اخطاء فادحة في أسسنا التعليمية، والا ما معنى وجود خريجين جامعيين وحملة شهادات عليا، وليس لدينا باحثون، وعلماء ومخترعون، يعملون ويبدعون في بلادنا. في حين انه لدينا الكثير من هؤلاء الذين تعلموا في الغرب وأبدعوا هناك وساهموا فعليا ـ وان بحدود ـ في دفع عجلة البحث العلمي قدما، الى جانب نظرائهم الغربيين.

إذن لا بد من اعادة النظر في المسألة التعليمية في بلادنا، فمنهجية التدريس العلمي يمكن اكتسابها من قبل المدرسين، وفهمها من قبل الطلاب وهي الاسلوب الوحيد لزرع بذرة التفكير الخلاق، وما على المتخصصين والباحثين الا الاسراع في ارساء اسس المناهج العلمية في التعليم.