ما الجدوى في الحفاظ على السودان بشكله الحالي.. أي جثة جامدة؟

TT

التمس الرد على تعقيب للدكتور عوض امين عباس الوارد في «الشرق الأوسط» العدد 8406 بتاريخ 2001/12/3 ورفضه لفكرة حق تقرير المصير بالقول ان حق تقرير المصير حق انساني في المقام الاول ويجب ان يحظى به اي كيان او شعب في سبيل تقرير مستقبله السياسي والاجتماعي والثقافي، وبالتالي ليس في المسألة اي غضاضة ان كان منح ذلك الحق سيقود الى انقسام ولايات واقاليم اخرى في السودان متى نشأت لديها الحاجة الخاصة او النزعة الذاتية التي تدعوها الى الانفصال او الانفكاك. وسؤالي الى الكاتب ما الجدوى في الحفاظ على السودان، بشكله الحالي، الذي كاد يبقى «جثة جامدة» حيث فقد فيه المواطن الغيرة والولاء نحو الوطن واصبحت الانتماءات الفكرية والعقائدية والطائفية هي شعار الدولة وناموسه واختفت كلمات مثل «الوطنية» من الذهن والفكر والقاموس السياسي واصبح الوطن يحتل المرتبة الثانية، ان لم تكن الثالثة في القلب.

فمنذ الاستقلال في عام 1956ظل السودان دولة واحدة موحدة ومع ذلك فشلت هذه الوحدة في تحقيق تطلعات وآماني الانسان في السودان، بل ظل الوطن منغمسا في بحر عمقه التناحر والنعرات والاقتتال والتنافر لدرجة ان المواطن كفر بدولته ويبدو ان الدولة نفسها مصممة على دفعه الى الهجرة وترك البلد. افلا يتفق معي الدكتور الكريم على ان الوقت قد حان لنجرب ما لم نجربه من قبل؟ الا وهو تقرير المصير؟! ومع هذا فان تقرير المصير في هذا السياق يبقى خيارا اساسيا تماما مثل الوحدة، بين الخيارات الاخرى المتاحة لتقرير المستقبل السياسي والجغرافي للسودان.

لقد انفصلت اريتريا عن اثيوبيا وتحظى الآن باحترام الامم المتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية التي تنص في ميثاقها على ضرورة محافظة الدول على الحدود التي ورثتها من المستعمر، لكن مع ذلك انفصلت اريتريا. وكذلك الحال بالنسبة للجمهوريات السوفياتية السابقة. وبيافرا التي اوردها الكاتب، مثال حي آخر على ان الوحدة عنوة لا تجدي نفعا ولم تحل مشاكل نيجيريا المستعصية ولذلك فشلت نيجيريا في حل مشاكل السودان.

ثم ان الكاتب يعلم يقينا ان حق تقرير المصير مجمع عليه من قبل جميع الاحزاب والفرقاء في السودان بما في ذلك السلطة الحاكمة في السودان اليوم وبالتالي فعدم نص المبادرة المصرية ـ الليبية على هذا الحق يعد من قبلي «تغريداً خارج السرب».

واذا كان الكاتب يرى موسفيني يرقص مع مادلين اولبرايت ويشرب معها كأس تقسيم السودان، فكم من امثال هذا الـ موسفيني في السودان من سلاطين ثقافة التملق والتماهي مع السلطة من الذين يهرولون الى عواصم الدول العربية والاسلامية جلبا وجنيا للدعم والمال عن طريق استمالة الرأي العام العربي والاسلامي بذريعة وجود مخططات امبريالية لتقسيم السودان والنيل من وحدته بينما هم في الواقع يعملون على ترسيخ جذور الفتن والانقسامات وكانوا من اوائل المنادين بتقرير المصير قبل اصحابه الحقيقيين؟! عليه ارى ان الكاتب على الصواب ان كان يرى في الوحدة عيارا امثل للسودان، لكن كل المؤشرات والمعطيات الراهنة تقودنا الى الحكم باستحالة الوحدة ورجحان خيار منح حق تقرير المصير، وعلى رأي المثل القائل: «تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن».