احتفالات الأرمن بذكرى 1700 سنة

TT

قليلون يعرفون أن الشعب الارمني وارمينيا قديمان في التاريخ قدم الفراعنة والبيزنطيين والرومان. ولكن سكان سورية ولبنان ومصر وفلسطين الذين عاش بينهم المهاجرون الارمن اثناء وبعد الحرب العالمية الاولى، هم اكثر الشعوب معرفة بتاريخ الارمن من شعوب الشرق الاوسط، ويعرف الكثير عن الارمن ايضا الشعب الايراني الذي جاور الارمن منذ اكثر من 3000 سنة وعايش معهم الاحداث التي جرت في تلك المنطقة الممتدة غرب بحر قزوين وحول جبال هارارات في منطقة القوقاز منذ تأسيس وتوسع الامبراطورية الفارسية، ومن ثم بعد وصول الفاتحين المسلمين لتلك الاصقاع من العالم ثم غزوات المغول والتتار والسلاجقة والعثمانيين الى الحربين العالمية الاولى والثانية ولغاية اليوم.

لم يبق من شعوب وحضارات المنطقة الا القليل وكذلك لم تبق لهم ذكرى خالدة إلا ما ندر. ان الشعب الارمني من الشعوب المتحضرة، وهو برغم تعرضه لغزوات واحتلالات عديدة في الالف سنة الاخيرة بما فيها الاحتلال العثماني الذي طال لمدة 700 سنة تقريبا لحقتها ثمانون عاما من الحكم السوفياتي بعد تحرر واستقلال مؤقت لم يدم اكثر من سنتين بين 1918 ـ 1920 نال الاستقلال مرة اخرى سنة 1991 عند انهيار الاتحاد السوفياتي واصبح دولة مستقلة لها علم يرفرف على سواري الامم المتحدة كدولة مستقلة ذات سيادة.

من زار يريفان، عاصمة ارمينيا، او قرأ وتمعن التاريخ الارمني سوف يسهل عليه تصور مستوى هذا الشعب من حيث التحضر الثقافي والمعماري والعلمي، وكم يمتاز في محيطه عن الشعوب الاخرى لشغفه بالثقافة من الفنون والاداب كالمسرح والموسيقى والشعر والرسم، خاصة النحت الذي يحتل مرتبة خاصة بين الفنون حتى ان البعض يشبه العاصمة يريفان بمتحف نحت في الهواء الطلق، لكثرة ما يحتويه من تماثيل ونصب تذكارية في كل زاوية او شارع او ساحة او قمة تل. وفي المدينة العديد من المتاحف التي تحتوي على آيات من فن النحت غاية في الروعة والاتقان وهي معروفة لدى كبار النحاتين العالميين، والعديد من المباني والدوائر الرسمية مثل ساحة التحرير التي يحيط بها مباني الدوائر الرسمية وفندق ارمينيا وكل من هذه المباني فريدة في تصميمها ورائعة في جمالها وتعكس فن المعمار الارمني الذي اخذ عنه الكثير من مدارس فن المعمار العالمية، وهو يدرس في ارقى اكاديميات الفنون في العالم.

كما ان يريفان تمتاز عن غيرها من عواصم دول المنطقة باحتوائها على اكبر مكتبة في اجمل بقعة ومبنى بالعاصمة، وهي تحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة من ازمنة غابرة مما يعكس اهتمام الارمن بالادب والكتابة من عشرات القرون ولغاية اليوم، كما تحتوي ايضا على كثير من الاثار والدراسات والنظريات العلمية الاصلية لعلماء مسلمين واجانب وارمن وغيرهم.

وقد تأثر كثيرون بنظريات العالم انانيا الشراكسي (القرن السابع) في علم الفضاء وتأثير الاجرام السماوية على كوكب الارض حسب بعدهما عنه واحجامهما، واخذ عنه البزنطيون كما اخذ عنه ابو ريحان البيروني الذي طور واسس علم الجغرافيا الفضائية في القرن الحادي عشر الميلادي. وفي المكتبة ايضا كتب عن علوم عديدة بعضها معروفة لدى العلماء والكثير منها غير معروف بسبب الظروف التي مر بها الشعب الارمني، التي لا مجال لذكرها الآن. اما الشيء الذي يعتز الارمن بتسجيله فهو المناسبة المجيدة التي يحتفل بها الشعب الارمني هذه السنة 2001 وهي ذكرى اعتناقه المسيحية دينا رسميا للدولة (مملكة ارمينيا) في سنة 301 ميلادي ايام الملك ضرطاد الكبير، وبذا صارت ارمينيا بذلك اول دولة في العالم تعلن المسيحية كدين رسمي للدولة والشعب.

منذ بداية هذه السنة والاحتفالات مستمرة بذكرى مرور 1700 عام على ذلك وبدأ الارمن الاحتفالات في هذه المناسبة في الوطن الأم ارمينيا او في المهجر الذي يعيشون فيه، إما في الدول العربية او الاوروبية واميركا. وقد اقيمت احتفالات عديدة تحت رعاية رئيس الدولة الارمينية حضرها كبار الساسة من دول المهجر لمقابلة افراد الشعب الارمني في الوطن والمهجر والحديث عن المناسبة العظيمة وحث الارمن على اتباع تعاليم الدين السماوي والابتعاد عن الحياة الدنيوية الزائلة والتمسك بالقيم الاصيلة الموروثة في حب السلام والصدق والاخلاص بالقول والعمل وكسب صداقة ومحبة الشعوب التي يعيشون فيها فيعكسون بذلك الحضارة العريقة التي ينتمون اليها.

اما العروض الفنية ومنها المسرحيات والسيمفونيات وعروض الكتب واللوحات الفنية والمهرجانات الرياضية مثل اولمبياد ارمينيا الذي اقيم في منتصف شهر اغسطس (آب) الماضي، فقد نالت اعجاب كل من شاهدها على ملعب يريفان البلدي. واما قمة هذه الاحتفالات هي ما توجت به في اواخر شهر سبتمبر (ايلول) مع افتتاح كنيسة القديس كريكور الضخمة في العاصمة والتي تتسع لألف وسبعمائة مصل جلوسا، رمزا لاحتفالات مرور 1700 عام على اعتناق المسيحية وكان بين المدعوين رؤساء ووزراء ومسؤولون من دول صديقة.