الصادق المهدي منظر ومفكر وإن اختلفنا معه

TT

قرأت في عدد «الشرق الأوسط» 8441 الصادر في 7/1/2002 خبرا مثيرا للجدل عنوانه «حزب الامة يجمد أمينه العام بسبب انتقاداته». وقبل ان ادخل في لب الموضوع هناك مداخلة توضح بعضا مما قد يكون لبسا على الآخرين، وهو ان احمد عبد الرحمن المهدي هو ابن الامام الراحل عبد الرحمن المهدي وهو شقيق السيد الصديق المهدي والد السيد الصادق المهدي وجرى العرف والعادة ان تؤول امامة الانصار الى الابناء وليس الاحفاد، كما ان السيد مبارك الفاضل هو من ابناء العمومة. هذا ولي التعقيب الآتي:

اولا: ان اختلفنا او اتفقنا سياسيا مع السيد الصادق المهدي، فهذا يجب ان لا يحول دون إقرارنا بحقيقة ان الرجل منظر ومفكر تجد افكاره ونظرياته قبولا منطقيا وربما تحدث ايضا الكثير من الجدل، وهذا وارد في اي فكر يطرح. كما اننا يجب ان نطرح مسألة كانت وما زالت مثيرة للجدل وهو ان معظم الطروحات السياسية التي ظهرت في الحقب الماضية نتاجا للتنظير من قبل السيد الصادق لم تجد طريقها لارض الواقع ولم تجد اي حظ من التنفيذ بل آلت الى فشل ذريع فلربما تكون هذه النظريات انسب وممكنة التنفيذ في بيئة سياسية وتربة غير تربة اهل السودان! ثانيا: عندما عاد السيد الصادق من دراسته في بريطانيا الى السودان كان اول من قاد معركة داخل حزب الامة وبيت المهدي للقضاء على الحرس القديم كما سماه في داخل حزب الامة، مما شهد حدثا تاريخيا في الحركة الحزبية في السودان، حيث انشق حزب الامة الى جناحين، جناح الامام الهادي ـ عليه رحمة الله ـ ومعه كل الرموز التي شاركت في الحركة الاستقلالية من قادة الفكر والثقافة والادب والعلوم كالراحل محمد احمد محجوب والجناح الآخر وهو الصادق المهدي والشباب الذين تتراوح اعمارهم بين منتصف العقد الثالث ومنتصف العقد الرابع ومنهم السيد الصادق نفسه.

فما أشبه الليلة بالبارحة، ما طالب به السيد الصادق في عقد الستينات ينكره اليوم في بداية الالفية الثالثة من القرن الجديد على الاجيال الجديدة من ابناء حزب الامة وكأنما التاريخ يعيد نفسه وان الجميع لم يعتبر من تلك التجربة ولا بد من جديد يؤزم الامور اكثر مما كانت عليه الآن، فالحرس الذي طالب بالتحديث ـ حسب تعبيرهم آنذاك ـ وفي النصف الثاني من القرن الماضي ينكر نفس المطلب على الجيل الجديد بعد ما يقارب بنصف قرن اللهم الا اذا كانت هناك وصفة اكسير للشباب ظل معه الجيل الذي طالب بالتحديث في عقد الستينات يعيشون في شباب دائم.. هنا يكون في مجمل الامر مسألة للتفكير والمفاضلة بين شبابي عقد الستينات وعقد بدأ في الالفية الثالثة.

ثالثا: ما زال هناك تساؤل قائم، ان كانت الديمقراطية التي يدعو اليها حزب الامة بقيادة السيد الصادق مبدأ عاما، فلماذا لا يعرض الامر على القاعدة العريضة من حزب الامة بصورة ديمقراطية إما مع التحديث واعطاء الشباب الحق في ادارة شؤون حزبهم وإما مع الحرس القديم الحالي ـ حديث كان قبل نصف قرن ـ وطالب بنفس ما يطالب به مبارك الفاضل الآن. اما هيئة ضبط الاداء فهذه هيئة تكونت من جميع من هم في سن السيد الصادق المهدي ومنهم الدكتور عمر نور الدائم.

رابعا: تعلم السيد الصادق في بريطانيا وهي مهد الديمقراطية الغربية ومنها اتى بعلمه وبها تأثر وأخذ خاصة في ما يخص الاحزاب والانظمة السياسية، فهل سأل السيد الصادق نفسه اين ماكميلان؟! اين تاتشر؟ ألم يلاحظ ان الاجيال التي كانت حديثة عهد حينئذ هي التي تحكم الآن بريطانيا، فرئيس وزراء بريطانيا توني بلير في الاربعينات من عمره، كما ان رموز حزب المحافظين وكذا العمال عملوا بجد ليناء جيل جديد يعهد اليه بالمسؤولية والقيادة من بعد ان ادوا دورهم. فلماذا الآن وعقدة الرئاسة اثابك الله!!