منشطات الرياضيين والأفكار المنومة

TT

كثيرا ما نتحدث عن كيفية الحاق العقوبة بالرياضي متعاطي المنشطات بابعاده عن الملاعب زمنا محددا وبتغريمه ماليا وبحرمانه من الميدالية التي يحصل عليها، وما يتبعها من العقوبات بينما نتجاهل معاقبة المجموعة التي دسّت المنوم في طعام أو دواء رياضي آخر، فحرمته من الفوز بالميدالية التي يستحقها بجدارة؟

واذا اعتبرنا ان الرياضي يتعاطى المنشطات بمحض ارادته وبكل قواه العقلية، إلا في الحالات الشاذة، للفوز في احدى المنافسات الرياضية الفردية او الجماعية، قد أخلّ بأدنى القيم الاخلاقية التي تسير المنافسات، فإننا نثمن جهود الاتحادات الوطنية والدولية عند سنها النصوص القانونية الردعية لمعاقبة مرتكبي مثل هذه التجاوزات، للحيلولة دون وقوعها او تكرارها، لكننا نتساءل عن كيفية معاقبة الذين يلحقون الضرر، النفسي قبل المادي، بالرياضي المخلص والمحب للرياضة التي اعطاها حياته؟ وما هي الاجراءات الردعية اللازم تطبيقها على الذين يجبرون الرياضيين الممتازين منا على الرسوب عمدا، باجبارهم على اخذ منوم دون وعي منهم؟

أليس خطرهم اعظم من الذي يتعاطى المنشطات؟ ألا يحرموننا من النخبة الرياضية الممتازة؟ ويحطمون فينا جميعا ذلك الميزان العجيب، الذي يعطي للمنافسة حلاوتها، ويكسرون فينا السرور الذي يغمرنا عند مشاهدتنا الاوائل وهم يصعدون على منصات التشريف.

ألا نتفق جميعا ان الرسوب بغير وعي اخطر من التفوق المزيف؟ لأن وراء رسوبنا هناك من يريدون ان ينتصروا رغما عنا جميعا ويحجبون عن انظارنا المتفوقين الحقيقيين؟ فتصبح نوادينا وملاعبنا خالية من الابطال، الذين يشجعوننا على التنافس الشريف ويحرضون صغارنا على طلب التفوق المستحق بجدارة؟

ومن بين انواع الافكار المنومة، التي كانت تشاع بين الفتيان والفتيات في العقود السابقة، هي ان الذي سيمارس مستقبلا رياضة «الكاراتيه»، سوف يأتي اليوم الذي يفتح فيه المدرب كفه ويضع بداخله الملح، ليتمكن من كسر مكعبات الاجر، وان الذي يرغب في ممارسة رياضة الفن النبيل «الملاكمة» ملزم هو كذلك، بتلقي لكمة قوية من طرف مدربه لينكسر عظم انفه ويصبح بعدها قادرا على ملاكمة الآخرين.

وامتد هذا النوع من التنويم المبرمج الى اوساط الفتيات في المدارس، ليمنعهن من ممارسة الرياضة المدرسية، بحجة ان ذلك يتنافى مع ديننا الحنيف، هذا الدين الذي نعلم جميعا انه يدعو لتعليم الابناء السباحة والرماية وركوب الخيل على اقل تقدير.

والاخطر مما سبق ان يمتد هذا التنويم الى ميدان التربية والتعليم، فأصبحت مخابر التنويم تنتج اقراصا ثقافية وعلمية خاصة تنوم بها ذوي القدرات العقلية النيرة، لتحرمها من الدراسة في تخصصات جامعية وثانوية معينة، لتبقى بعض التخصصات التي تدر المال الوفير وتوصل صاحبها الى المناصب الحساسة والنفوذ، حكرا على فئة من الناس، اريد لهم ان يتصدروا ريادة المجتمع، كما اصبحت بعض الرياضات، بفعل التخويف او التضخيم او المنع، كالسباحة ولعبة الغولف وكرة التنس حكرا على فئة المحظوظين من الشعب.

ان التنويم الذي يفرض على فئة من الناس قدرا محتوما، ترفضه كل الشرائع السماوية، وان حضارتنا العربية والاسلامية كانت السباقة بين الحضارات الى التحذير من مخاطره، بنبذ الكذابين وتسليط عقوبة القذف عليهم، هذا الكذب الذي يمكن ادراجه ضمن ابسط اشكال التنويم، وان الخطر كل الخطر على الاجيال ما يدرسه الطالب وضمن المقررات التعليمية، كأن يلزم بدراسة شخصية علمية (غربية) لفظها الغرب ومنع تدريسها في برامجه التعليمية، ويحرم نفس الطالب من دراسة شخصية علمية (محلية) بجلها الغرب وصمم لها التماثيل في جامعاته وافتخر اسلافه بغزارة علمها، وكأننا بعملنا هذا نعلم ابناءنا الخطأ، ثم نحاسبهم عندما يخطئون.

ان الفتنة التي نعيشها حاليا، والتي نحملها كل اسباب تخلفنا، هي ان كل حيل التنويم فقدت مفعولاتها، و لقد اصبح الاعمى فينا قبل البصير يفرق بين الخيط الابيض والخيط الاسود وبين المخلص والخائن وبين المتفوق والفاشل، بل اصبح الصغير فينا قبل الكبير يفهم حقوقه وواجباته، إلا انه اصبح يتمرد على اداء واجباته، لأن الآخر يظن انه بالتنويم سيسلبه حقوقه وانه الاذكى، بينما الحقيقة اثبتت لنا مع مرور الايام، ان بعضا ممن يدعون الزعامة هم في الحقيقة قطاع الطرق لحقوق المستضعفين فقط، وفي خضم هذا الصراع، ضاعت حقوقنا الحضارية جميعها، واصبحت امتنا تلجأ للتنويم السلبي المكشوف وكأنها لا تدري اننا نقترب رويدا رويدا من حافة التاريخ.