الأمازيغية والمطالب المتطرفة

TT

كثر الحديث في المغرب في الآونة الاخيرة عن الامازيغية، وهو حديث يحيل على تداعيات الظهير (المرسوم) البربري المعروف، الذي اصدرته السلطات الاستعمارية في عهد الحماية بداية الثلاثينات من القرن الماضي، محاولة تقسيم المغاربة الى عرب وبربر عملا بمبدأ فرق تسد. واذا كانت مكونات الشعب المغربي قد تصدت في حينها لهذه المحاولة، نجد اليوم من يحاول ان يعيد الكرة من خلال دعوات «دسترة» (من الدستور) الامازيغية واقرارها لغة رسمية وتدريسها في اسلاك التعليم، واتباع تقويم امازيغي (يبتدئ يوم 13 يناير)، الى غير ذلك من الدعوات التي اصبح طابعها السياسي جليا، وتجاوز مجرد المطالب المرتبطة بالهوية والتراث، الى حد مطالبة البعض بدولة امازيغية «تامزغا». ومما لا يبعث على اطمئنان الناظر الى هذه الصورة وقوف اطراف اجنبية ترعى بعض المؤسسات ذات الهوية الامازيغية اختارت ان تستقر في الخارج، تحاول ان تسبغ على القضية رداء الاقلية العرقية المقهورة، مما يجعل المرء يتساءل عن براءة هذه الدعوات والاهداف الكامنة وراءها والجهات التي تدعمها. وهذا لا ينفي بطبيعة الحال وجود اطراف مشهود بنزاهتها وحسن نيتها، الا ان اختلاط السياسي بالثقافي يطرح اكثر من سؤال، خاصة اذا كان المشهد يستشف منه تغليب الجانب السياسي.

لم يعرف المغرب عبر تاريخه الطويل اي صراع بين العربية والامازيغية، ولم تعان الامازيغية في يوم من الايام من اي حظر او تضييق، وعلى سبيل المقارنة فإن بلدا كاسبانيا والى زمن غير بعيد، وصل التضييق فيه على اللهجات المحلية الى حد منع تداول الاسماء الشخصية (كجوزيب وجوردي) ما لم تكن باللغة القشتالية الرسمية، الامر الذي لم يعرفه حمان وعسو ومحند ومحماد في المغرب مثلا. ويأتي اليوم من يتحدث عن هيمنة العربية. وهل هناك من يستطيع ان يثبت ان في عروقه تجري دماء عربية خالصة او امازيغية نقية؟ هل مجرد الحديث بلهجة كاف للدلالة على الهوية؟، ان لهجة كـ «تريفيت» وهي احد فروع الامازيغية تضم في تركيبتها ازيد من النصف من المفردات العربية، بل والاجنبية. ولماذا توضع الامازيغية دائما في مواجهة العربية؟ لماذا لا يتكلمون عن الهيمنة اللغوية الفرنسية؟ ان ما نريد ان نخلص اليه هو انه مع التمسك بحسن النيات فإننا نرى انه قبل الاقدام على خطوات تكون لها انعكاسات مستقبلية غير معلومة، قد يكون من الاجدر تناول هذه القضية وفق مقاربة جديدة وذلك سدا للذرائع. وفي هذا الاتجاه قد يصبح من الضروري استفتاء الشعب المغربي حتى لا تتحول هذه المطالب بسبب بعض الغلاة الى صراع عرقي يهدد وحدة الامة.