المتنبي وعطا الله وكبريات الكبائر

يمكن الانبهار بالغرب لكن الاساءة لعباقرة الشعر العربي شيء آخر

TT

اعترف اني شعرت بالدهشة وانا اطالع ما كتبه سمير عطا الله عن المتنبي، فانا كنت من قرائه احيانا، غير اني شعرت حين قرأت ما كتبه عن سيد الشعراء بخيبة امل وتخيلت للحظات ان هناك ثمة خطأ هل ما اقرأه مكتوب في «الشرق الأوسط» حقا؟

هل يعقل ان يكتب عن المتنبي: «ان ابا الطيب لم يكن سوى نجس ونرجسي، اناني منتفخ وصولي مقبل اعتاب، ثأري انتقامي، رخيص وعنصري وكريه وحاقد ومهووس ومعتوه يحب نفسه دون سواها مثل جميع المنتفعين، يذوب عبقريته الخارقة في حلة الحقد والحسد»، فهل كاتب هذا الكلام هو سمير عطا الله الذي يطالعنا صباح كل يوم في اذاعة «الشرق الأوسط» وفي جريدة «الشرق الأوسط»؟ وماذا ترك لاصحاب اللغة الخضراء الذين افرد لهم شاعر فرنسا العظيم فكتور هيغو فصلا كاملا في رائعته البؤساء؟ ولمن لم يقرأ ما كتبه هيغو، الذي تحتفل فرنسا والعالم في هذه الايام بذكرى مرور مائتي عام على ولادته، فاللغة الخضراء الباريسية هي رديف لغة متعيشة سوق العتيق في دمشق او متعيشة انظمة الحكم التاريخية التي نفتديها بالروح والدم ولعلها لغة أي متعيش ممن قال عنهم الجواهري.

يستنزل الفكر من عليا منازله رأس ليمسح من ذي نعمة ذنبا لو كان من يشتم المتنبي غير سمير عطا الله لضربت عنه كشحا. ولو اشهر قلمه في نقد المتنبي لقلنا ان اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، اما ان يتحول الى شتام فتلك والله من كبريات الكبائر.

المسيو «ديو دونيه» المرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية هاجم الاديان ولم ينتقد الفكر الديني بل راح يستفز المؤمنين بالسباب، لكنه اعتذر عن هفوة لسانه، واعترف انه اخطأ، فهل سيعلن عطا الله عن اسفه لقرائه؟

كان المتنبي يدرك بحسه الفني وبعلمه بالنفس البشرية ان الكثيرين سيذمونه وسيشتمونه متسلقين الى الشهرة على قامته الشعرية فرد عليهم سلفا «اذا اتتك مذمتي من...».

لو لم يكن للمتنبي من فخر غير اعجاب ابي العلاء المعري به لكفاه ذلك. اما سمير عطا الله فنسأل الله ان يعطيه الصبر وعلينا نحن الذين نعجب بالمتبني وفيكتور هيغو معا ان ننزه اسماعنا وانظارنا عن شتائمه.

أجد نفسي مع الاستاذ قبيسي في خندق واحد فالاستاذ عطاالله منبهر بالغرب ويبدو انه لم يقرأ جيد لا المتنبي ولا الشعر العربي والا لما اطلق الاحكام القاطعة، وادعى ان الشعر العربي لا يرقى الى مرتبة شكسبير وغوته وهيغو واراغون، هذا الكلام يفتقر الى الكثير من الدقة.