وماذا عن دور «المثقف بلا تاكسي»؟

الاغتراب أشكالية جدلية معقدة ترتبط بحركية تطور المجتمع

TT

عطفا على ما كتبه، مأمون فندي في «الشرق الأوسط» بتاريخ 2002/3/25 تحت عنوان «المثقف التاكسي» حيث ينتقد واقع المثقف العربي الذي شبهه بالتاكسي، لا أعلم حقا، ما اذا كان الكاتب يتحدث عن تجربة شخصية أم أن طرحه وانتقاداته جاءت بعد تقييم للواقع العربي المعاش، وحيث استخدامه ذلك التشبيه! انما يعد تقزيما لصورة المثقف العربي الحقيقي، وما قدمه من صور لا تمت لواقع صفات المثقف الحقيقي بل هي صور خيالية تقليدية لهذا المثقف.

من وجهة نظر الكاتب ان المثقف العربي يعاني من عدم القدرة على الربط بين ما درسه من نظريات وبين واقعه اليومي والصعوبات المحتملة التي يمكن ان تواجهه، وهذا بحق اشكالية مضطردة ومعقدة اذ علمنا انه ليس كل ما يدرسه المثقف او يبدعه يمكن تطبيقه على ارض الواقع، وليس هناك المناخ المناسب لتطبيقه. فربما نسي الكاتب او تناسى ان واقع الثقافة العربية بحاجة الى مزيد من التحليل والدراسة والعمق في الطرح بناء على الواقع العملي وليس الطرح النظري، بمعنى ايجاد الاسباب الحقيقية الكامنة وراء صورة الظل للمثقف العربي الذي يعيش حالة من الاغتراب في واقعه العربي بين ما درسه نظريا وبين ما يريد تطبيقه عمليا، ان الاختلاف الحاصل بين النظرية والتطبيق، هذه الاشكالية المعقدة، التي ربما لا تنتهي لا تنطبق على «المثقف التاكسي»الذي رمز اليه الكاتب فحسب، وانما هي مشكلة جدلية تعاني منها حركة تطور المجتمع سواء أكانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية وحتى ثقافية، كما غاب عن ذهنية الكاتب السؤال الابرز: من يتحمل مسؤولية حالة الاغتراب الذي يعاني منها المثقف العربي في مجتمعه؟ هل هي قصور بفعل ذاتي أم بتأثير بسبب معيق خارجي؟

ان السبب الرئيسي لحالة الاغتراب تلك، انما ناجم عن سوء التقدير والفهم العكسي او السطحي لنظرية المثقف العربي الحقيقي، فضلا عن عدم ايجاد الارضية السليمة لتطبيق الافكار التي يؤمن بها المثقف، والصعوبات او المعيقات التي تعترضها من خلال ممارسة السلطة الحاكمة التي تؤجل حينا تطبيق فكرة ما، وتلغي احيانا اخرى الكثر من الافكار نظرا لحساسية السلطة الحاكمة المفرطة تجاه اي افكار جديدة تأخذ صفة ما يسمى بالاصلاحية.

والنقطة الهامة التي اوردها الكاتب في معرض حديثه عن صورة «المثقف التاكسي» تأتي من الفائدة المتبادلة بين افكار المثقف التسويقية، الذي قصده الكاتب، وهبات السلطة المقدمة له، ولكن هذا الامر يتنافى مع الصورة الحقيقية للمثقف بلا تاكسي، وتنطبق شكلا ومضمونا على صورة المثقف التاكسي الذي يروج افكار السلطة الحاكمة في السوق ويقبض الاجر وبالتالي ليس له من الفضل الا الشكل الذي قصده الكاتب.

ويتحدث الكاتب في زاوية اخرى من المقال عن جو الفوضى الناتج عن امكانية استفادة مثقف التاكسي في حالة غياب معايير تميز الغث من السمين، كما قال، مستغلا حالة الانفلات من المعيار الثقافي، وبالتالي مخالفته لقواعد والتزامات شرف المهنة، وحالة الانفلات تلك التي تحدث عنها الكاتب انما ناتجة عن محدودية الطروحات الاخرى، وفاعليتها ومدى قدرتها على رد افكار مثقف التاكسي الى صدره. وهنا لا بد من التساؤل عن دور المثقف الحقيقي الذي نحتاجه في واقعنا العربي (اي المثقف بلا تاكسي) واين دوره في كشف زيف ادعاءات المثقف التاكسي؟ لماذا يصر الكاتب على النقد من دون وضع النقاط على الحروف والدخول في التفاصيل اكثر من ذلك؟