بين «أبو أنس الليبي» و«أبو أنس المصري»

TT

عند توقفه بمطار القاهرة في طريقه للعاصمة اللبنانية بيروت لحضور اجتماعات وزراء الخارجية العرب، اعلن الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية السوداني ان بلاده ستسلم «أبو أنس المصري» المحتجز لدخوله البلاد بصورة غير شرعية وحمله اوراقا مزورة. وعندما صرحت الدوائر الأميركية بأن الحكومة السودانية القت القبض على «أبو أنس الليبي» أحد الأشخاص الـ 22 المطلوبين لدى واشنون، سارعت الحكومة السودانية الى نفي هذا الخبر على لسان وزير الإعلام الدكتور غازي صلاح الدين، واعلنت فيما بعد بأن الشخص المعتقل لديها هو «أبو أنس المصري»، أحد قيادات تنظيم الجهاد الذي يقوده أيمن الظواهري. لقد مرت مياه كثيرة من تحت جسر العلاقات الدولية وتبدلت موازين القوى بصورة دراماتيكية. فقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان من الصعوبة تصور وقوف حكومات بعينها مع واشنطن في خندق واحد بل وتقدمها الصفوف دعما للحملة الأميركية في مكافحة «الارهاب». فدولة باكستان، التي قامت اساسا على اساس ديني، اصبحت رأس الرمح في قتال القوى المعادية لواشنطن بأفغانستان المجاورة. وعلى مبدأ «بيدي لا بيد عمرو»، شنت الحكومة اليمنية، بنفسها، حملة عسكرية ضارية لمطاردة رجال القبائل المسلحين بين محافظتي شبوه ومأرب بحجة مكافحة الارهاب. وفي ليبيا كان العقيد القذافي من اوائل الذين ادانوا «الارهاب» وحذت حذوه الحكومة الايرانية وسائر الحكومات التي تصفها واشنطن بـ«المارقة»، حتى ان فيديل كاسترو عميد الثوار واطولهم باعا في تحدي الحكومات الأميركية، لم يثن علنا على من قادوا طائرات الموت في سبتمبر من العام المنصرم بل لم يعترض على عزم الحكومة الأميركية استخدام قاعدة غوانتانامو ـ التي تدعي كوبا ملكيتها ـ سجنا للأسرى من مقاتلي القاعدة وطالبان. لقد احسنت الحكومة السودانية صنعا بغسل يديها من الجماعات المتطرفة التي جرت على البلاد الويلات حتى دمغ المجتمع الدولي السودان بـ«الارهاب» وفرض عقوبات اقتصادية عليه، بعد تأسيس الدكتور حسن الترابي لتنظيم المؤتمر الشعبي الاسلامي الذي جمع كافة تنظيمات الرفض من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، الى ان تمكن الفريق البشير من وضع حد لنفوذ الدكتور الترابي والتخلص من تبعات نشاطاته. تصريح وزير الخارجية السوداني بأن بلاده ستسلم «أبو أنس المصري» لمصر لدخوله البلاد بصورة غير شرعية، يعتبر نقلة كبيرة في تعاطي الحكومة السودانية مع هذا الملف الشائك، الذي دفعت البلاد بسببه الكثير.