ترويض الكلاب الضارية ليست مسؤولية الفلسطينيين بل الراعي الأميركي

TT

ها أنا ذا أخرج من صمتي الذي امتد الى أكثر من بداية الانتفاضة الباسلة منذ ما يقرب العام ونصف العام، ليس يأسا من واقع الحال فاليأس معناه النهاية، وانما حداد على تمويت الحقيقة وعمليات اغتيال العقل والمنطق التي تمارسها الصحافة الغربية ـ وعلى رأسها اميركا وفي الآونة الأخيرة تطالعنا مقالة بين الحين والآخر، لتوماس فريدمان، الذي يحاول ان يكون موضوعيا وان يتناول القضية من وجهتي النظر الفلسطينية والاسرائيلية. الا ان تبنيه لوجهة النظر الأميركية تبعده كل البعد عن الموضوعية وهو في الواقع يدس السم في الدسم، فهو يتحدث عن اوسلو وكيف قوض الاسرائيليون دعائمها بدخولهم المفاوضات مع الفلسطينيين وبنائهم للمستوطنات في الوقت نفسه، ثم يتهم الفلسطينيين بعد ذلك بأنهم ساهموا كذلك في تقويض هذه المعاهدة بأنهم في مساجدهم ومدارسهم كانوا ما يزالون يقيمون سدود الكراهية ضد الاسرائيليين.

لا أدري كيف يتحدث فريدمان ـ والمفروض انه صحافي وكاتب على قدر من الفهم والوعي وأظنه يحترم مهنته ويحترم اولئك القراء الذين يتوجه اليهم ـ عن فشل المحادثات وعن دور الفلسطينيين في ذلك، فلقد شاهد كل من تابع وكل من لم يتابع مسلسل المفاوضات، الذي نافس المسلسلات المكسيكية في طوله وكثرة تعقيده، الطفل الاسرائيلي الذي افسده الدلال، بعد ان مد له الفلسطينيون يدهم بالسلام، فتارة يريد هذا وتارة لا يريد ذلك، ويتفنن في وضع العراقيل وسد الثغرات امام التوصل الى اي تفاهم لقد كان يلعب على أعصاب ملايين الناس من الفلسطينيين المتهورين، الذين يحسبون كل دقيقة تمر زيادة في معاناتهم وذلهم، ثم زاد على ذلك بمتابعة بناء المستوطنات وطرد سكان القدس من بيوتهم وتضييق سبل الحياة حولهم لتهجيرهم وتعدتها لتصل الى مقدساتهم ومحاولة تدنيسها وطمس اي وجود لهم فيها. لقد كانت مفاوضات اوسلو اشبه بدخول مفاوضات مع الذئب لإقناعه بأنه حمل وديع الا ان الذئب لا يستطيع الا ان يكون ذئبا. ثم يأتي فريدمان ليلومنا على كرهنا لاسرائيل وكنت اود لو يدلني على الوصفة السحرية التي ستجعلني اقع في غرام اسرائيل وقادتها وتجعلني انسى ما فعلته وما تفعله هذه الدولة الـ ... بنا كل يوم.

ثم يأتي فريدمان بتعليق على خطاب جورج بوش وبأنه لم يضع خطوطا واضحة للطرفين يتصرفان بموجبها، من بين هذه الخطوط التي يتوجب توضيحها هو ان منفذي العمليات الانتحارية ليسوا شهداء، وانما قتلة، لا اريد ان اعلق كثيرا على ذلك، وانما اكتفي بالقول له بأن هذا الأمر صعب جدا عليك ان تفهمه يا فريدمان فمصطلح شهادة يتطلب الكثير الكثير من المعاناة والحرمان والقهر والتوق الى ملاقاة الله وهذا شيء لا تدركه انت ولا الذين يعيشون في مدن فارهة تأكل فيها كلابكم وقططكم ما يشبع عائلات في مخيمات اللاجئين.

أما لومه للرئيس ياسر عرفات وتحميله مسؤولية قدوم شارون الى رئاسة الوزراء عندما انسحب من المفاوضات «مفوتا اعظم الفرص لبناء دولة فلسطينية»، فأقول ان ترويض الكلاب الضارية وتعليمها كيفية التعامل مع البشر هي مسؤولية الراعي الأميركي وليست مسؤوليتنا.