التكتيكي والاستراتيجي في علاقات الأحزاب السودانية

تحالفات هشة تجعل حل المشكلات ضربا من التخمين

TT

تحت عنوان «هجرة معاكسة.. نحو الجنوب» كتب السر سيد أحمد في «الشرق الأوسط» يوم الخميس 2002/3/14 معلقا على ظاهرة التحالفات والاتفاقات الاخيرة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، من جانب عدد من القوى السياسية الشمالية والجنوبية، وتوصل الى ان «الانطباع الذي يخرج به المراقب هو ان هذه التحركات تتم على اسس تكتيكية اكثر منها في اطار حسابات استراتيجية».

ولعل ذلك هو أس البلاء في الحركة السياسية في السودان، اي التعويل على التكتيكي ولو على حساب الاستراتيجي، حتى اختلط علينا الامر، حيث انه يكاد ينعدم وجود تحالفات استراتيجية بين قوى سياسية تعمل لتحقيق مبادئ وطنية تلقى قدرا من الاجماع. وأصبحت احزابنا تجيد لعبة التحالفات قصيرة الامد التي لا تلبث ان تتحول الى عداءات سافرة يصعب تسويغها ومن ثم تسويقها.

ونتيجة لذلك سادت ثقافة تخوين الآخر، عدو اليوم حليف الأمس، الذي ربما يكون ايضا حليف المستقبل حسب تقلبات السياسة السودانية، التي يصعب التنبؤ بها، فأحزابنا لها في حالة الرضا قول، وفي حالة السخط قول آخر لا يتناقض مع الاول فحسب، بل ويهدم برنامجها ومشروعية وجودها وثوابتها التي غالبا ما تبنى على مصادرات لم تأخذ حقها في التمحيص والمناقشة، وذلك لأن مشيئة وأفكار قادتها اصبحت (تابوهات) لا تجوز مناقشتها ناهيك من انتقادها.

ويتضح ذلك في طريقة مقاربتها لمشكلات السودان وكأن حل هذه المشكلات يكون بهذه التحالفات الهشة والمربكة التي تجعل قراءة مستقبل السودان في ضوئها ضربا من التخمين الذي يعوزه النضج، بسبب تسارع الاحداث، بل ومفاجآتها وغرابتها، وذلك يتضح بشكل جلي في مشروع التحالف بين حركة جون قرنق وحزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور الترابي. فهل وقع الدكتور قرنق اتفاقه الشهير مع حزب الدكتور الترابي، وهو يعلم انه اتفاق مع الجناح الاكثر تمسكا بمبادئ الانقاذ وشعاراتها بما فيها المشروع الحضاري الاسلامي، كما يقول منتسبو حزب المؤتمر الشعبي، ام انه كان يعلم انه اتفاق تكتيكي تطبيقا لمقولة «ان المصائب تجمعن المصابينا»؟! حيث ان التضاد واضح بين مشروعي الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الشعبي، ولا تتوفر حاليا اي ارضية مشتركة سوى الهدف المشترك لمعارضة حكومة الخرطوم.

واحزابنا فوق هذا وذاك لا تعبأ بعامة الشعب المغلوب على امره والواقع بين مطرقة الحكومة وسندان المعارضة، فهي لا تجتهد كثيرا لتبرير مواقفها السياسية وكأننا شعب يتحكم فينا الولاء الطائفي او الموروث الذي لا يبرره اقتناع ببرامج وأفكار ولا تنفيه المواقف التي تتصادم مباشرة مع ابسط القناعات.

نحن في حاجة لاحزاب تفهم الديمقراطية وتمارسها داخل مؤسساتها حتى تسهم في بناء نظام ديمقراطي متين.. احزاب تكون عندها مصلحة الجماهير وقضاياها، برنامج عمل وليس مجرد شعار، تحترم عقل قواعدها الشعبية وتطبق منهج الدين ولا تكتفي بترديد شعاراته.