بلير والصداقة الآيرلندية ـ الفلسطينية

ما سر يقظة رئيس الحكومة البريطانية ومخاطبته الشعوب العربية؟

TT

تعقيبا على ما كتبه رئيس الحكومة البريطانية، توني بلير، في «الشرق الأوسط» يوم الثلاثاء 9/4/2002 اورد الملاحظات التالية:

ـ بعد المظاهرات الشعبية العارمة التي اجتاحت المنطقة العربية احتجاجاً على العدوان الاسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، وبسبب المخاطر التي باتت تهدد مصالح القوى الكبرى في المنطقة العربية، قال بلير: (لذلك يجب علينا ان نشرح لكم وجهة نظرنا، ليس فقط لحكومات المنطقة، ولكن ايضا للشعوب العربية)، فهل تذكر بلير، الآن فقط، أن هناك شعوباً عربية يجدر التحدث اليها؟

ـ يحلو لبلير المقارنة بين (ارهابيي) ايرلندا و(ارهابيي) فلسطين، فيقول بأنه كانت للانجليز تجربة مماثلة في آيرلندا الشمالية، ويقول بأنهم قابلوا اعمال القوميين الآيرلنديين باجراءات مضادة وانتقامية، هل ثمة فارق بين هذا وما يقوم به شارون في فلسطين هذه الأيام؟. هكذا يتم تجاهل طموحات الشعب الايرلندي في التخلص من الاحتلال البريطاني، تماما كما يتم دائماً تجاهل طموحات الشعب الفلسطيني خصوصاً، والشعب العربي عموما، فهل هو سر أن نعلن انه ما اجتمع فلسطيني وايرلندي الا وتصادقا على الفور، وبحرارة من جمعهما العداء لمن هو سبب البلاء، وبالتالي هل نستطيع القول بأن الايرلنديين هم فلسطينيو أوروبا؟.

ـ يتحمس بلير كثيرا الى عودة العملية السياسية التي من خلالها يمكن تسوية الأسباب الأساسية للصراع على حد قوله، وكأنى به لم يسمع بأن هذه العملية السياسية قد بدأت منذ مؤتمر مدريد عام 1991 أي منذ ما يزيد على عشر سنوات، لم يحصد الشعب الفلسطيني خلالها سوى التسويف والمماطلة، وكأن العملية السياسية قد اصبحت هدفا بحد ذاتها، وليست وسيلة لحل الصراع بين الجانبين، أو كأن على الفلسطينيين ان يقضوا عمرهم يمارسون رياضة الجري على سير العملية السياسية المتحرك.

ـ من مقاله المكون من أربعة اعمدة، يخصص بلير أقل من عمودين للحديث عن المشكلة الفلسطينية، والتي يحلو للبعض ـ وللتعمية ـ تسميتها مشكلة الشرق الأوسط، بينما يخصص اكثر من عمودين لتسويق منجزات اوروبا واميركا في كافة انحاء العالم من افغانستان حيث الارهاب وتجارة المخدرات، الى سيراليون وتحرير شعبها من طغمته الحاكمة، الى تحرير مسلمي يوغوسلافيا والتهديد بتأديب العراق، بينما لم نسمع عن تصدي بلاده لحكم الديكتاتور بينوشيه في التشيلي، أو حكم عصابات الكونترا في نيكاراغوا، أو الانقلابات التي حضرت لها وكالة المخابرات المركزية في جمهوريات الموز، والأهم من ذلك المشكلات التي خلفها الاستعمار البريطاني في كافة انحاء العالم، والتي استعصت، وسوف تستعصي، على أي حل في المستقبل البعيد، مثل قضايا فلسطين وكشمير وقبرص، والأهم من ذلك تقسيم البلاد العربية بموجب الاتفاق البريطاني الفرنسي الشهير باسم (سايكس ـ بيكو) الذي ما زالت مصائبه تترى حتى الآن. كثيرة هي المنجزات البريطانية التي لم يتطرق اليها السيد بلير في مقاله، لأنها ببساطة لا تستحق ذلك.