توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق.. هروب إلى الأمام

TT

فيما كان الرئيس الفلسطيني السيد ياسر عرفات محاصرا في رام الله، وانظار العالم كلها متجهة نحو ما يحدث في فلسطين، والقوات الاسرائيلية تدمر بآلياتها الحربية والمدنية البنية التحتية للسلطة الفلسطينية، وشعب فلسطين يمر بأخطر ازمة سياسية تهدد ارضه وكيانه وسلطته الوطنية، واذا بالسيد وفيق السامرائي مدير الاستخبارات السابق في الجيش العراقي يفاجئ الفلسطينيين بطرح اقل ما يقال عنه انه تهرب من الواقع المرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، حيث جاء في طرحه «العراق قادر على استيعاب ملايين الفلسطينيين الذين يقيمون في لبنان وسوريا والاردن»، ثم استطرد الى القول «ينبغي النظر الى العراق كوطن للفلسطينيين المشردين». قوبلت طروحات السامرائي باستياء شديد لدى المعارضة العراقية وفسر بعض المعارضين بان وراءها دوافع طائفية، فيما فسر آخرون منهم الدعوة هذه بانها امتداد للسياسة الطائفية التي ما زال النظام العراقي يتبعها، وهناك من يذهب الى ابعد من ذلك حيث يتساءل وهو محق في تساؤله: من الذي فوض وفيق السامرائي ان يتحدث باسم الملايين من ابناء الشعب العراقي؟ من الذي خوله باستضافة اربعة ملايين نسمة الى بلد يعاني من الجوع والفقر والمعاناة؟ وهل استشار في الاقل ممثلي القوى الوطنية العراقية التي تمثل آلام وآمال هذا الشعب الذي نكب بنظام قاس سحقه حتى العظام.

وكان الاجدر بالسيد السامرائي ان يدرك ان مثل هذا القرار الخطير يعود الى اهل الدار الذين هم ادرى بما في بلدهم، ناهيك عن تجاهل رغبة وإرادة الفلسطينيين انفسهم، لأن مثل هذا الطرح يخالف ارادة الشعب الفلسطيني التي تؤكد على عودة اللاجئين الى ديارهم والعيش في وطنهم وبناء دولتهم على ارضهم وانهاء عذابات التشرد التي لقيها هذا الشعب منذ ما يزيد على نصف قرن عدا ان مقترح السامرائي ـ شاء ام ابى ـ يدخل في إطار تحقيق رغبة اعداء الشعب الفلسطيني الذين يريدون لهم النزوح والهجرة والتشرد بعيدين عن وطنهم الاصلي. ألا يعني طرح السيد السامرائي هذا ان توطينهم في العراق يؤدي بالتالي الى منع عودتهم الى ديارهم، ثم حرمانهم من هذا الحق الذي هو حلم كل فلسطيني أينما كان وهم حاملو شعار (عائدون)؟ وخاصة انه يصر على «عدم تركهم معلقين بآمال العودة». وهل يتصور صاحب الطرح ان الفلسطينيين الذين اقترح توطينهم في العراق، من الممكن ان يتفاعلوا مع مجتمعهم الجديد الذي يريد اقحامهم فيه؟ وهنا لا بد من الاشارة الى الحكم القطعي الذي اصدره السامرائي الذي اعتبر العراق الدولة الاولى التي ينبغي ان تقدم حلا جذريا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين على اساس التوطين، لا ندري كيف اعتبر السامرائي العراق الدولة الاولى في هذا المضمار وعلى اي اساس اخذ هذا القرار؟

هل العراق يأتي بنظر صاحب الطرح في المقام الاول من حيث اهتمامه بالقضية القومية؟ وهل العراق اثبت عمليا حرصه على مصير الامة العربية وعدم تجزئة صفوفها، ام العكس هو الصحيح؟

واخطر ما في طرح السامرائي قوله: «سواء بقي الحكم الحالي ام تغير فينبغي النظر الى العراق كوطن للفلسطينيين المشردين». وهذا يعني ان وفيق السامرائي بدأ يعيد ثقته بالنظام الحالي الذي بامكانه في حالة بقائه اسكان الفلسطينيين في وطنهم (العراق). علما بان العراق ـ كما هو واضح للجميع ـ للعراقيين وليس لغيرهم.

إن مسألة توطين الفلسطينيين في العراق طرحت في فترات سابقة ولكنها لم تلق القبول لدى الشعب الفلسطيني الذي يريد جمع شمله في وطنه لا ان يبقى مشتتا هنا وهناك. وحتى ان السفير الفلسطيني السيد صلاح الزواوي نفى في حينه موافقة الفلسطينيين على اسكانهم في كركوك وقال في السابع من آذار عام 2000 بالنص:«ليس هناك ثورة في الدنيا او شعب ثائر لتحقيق حقوقه في وطنه يمكن ان يقبل وطنا آخر على وجه الارض، فوطن الشعب الفلسطيني هو ارض فلسطين دون غيرها وكل محاولات اعدائها الرامية لتوطين شعبنا خارج ارضه لا تفيد سوى اعدائنا الصهاينة واسيادهم ومخططاتهم الاجرامية ضدنا، فليطمئن كل شعوب العالم وكل دولة باننا لن نقبل سوى فلسطين وطنا وسوى ارضها مكانا مستقرا». نعتقد بان تصريح السفير الفلسطيني خير رد على هذه الطروحات الطارئة.

وثمة شيء هام لا بد ان الفلسطينيين الواعين يدركون ان النظام العراقي يمارس سياسة القمع والارهاب تجاه الشعب العراقي بأكمله ويمارس سياسة التطهير العرقي ضد الشعب الكردي، حيث ما زالت عمليات التهجير والترحيل القسري من موطنهم مستمرة لحد الآن، فهل من الممكن ان يرضى الفلسطينيون باقتراح السيد السامرائي ويبنوا سعادتهم إن كانت هناك سعادة على انقاض تعاسة الاخرين؟ هل يقبلون بالتوطين في موطن من يطردون منه قسرا ويحرمون من العيش فيه بأمان وخاصة ان الفلسطينيين ذاقوا مرارة مثل هذه الحالات القاسية؟. حقا ان مفاجأة السامرائي كانت مخيبة لآمال الفلسطينيين الذين كانوا يتوقعون الاستفادة من خبراته العسكرية سوقية كانت ام استخباراتية بصفته رجلا ذا خبرات لا يستهان بها في المجال العسكري. ان التهرب من الواقع الحالي للشعب الفلسطيني لن يصب في خدمة قضيتهم مثلما لم يلق القبول من العراقيين والعرب والمسلمين لانه (هروب نحو الامام) ولن يؤدي باي حال من الاحوال الى حل المشكلة الفلسطينية بل يؤدي الى تعقيدها اكثر فأكثر.