العراقيون يختلفون والفلسطينيون لا يبحثون عن وطن خارج وطنهم

TT

طالعنا وفيق السامرائي بمقالة في «الشرق الأوسط» (العدد 8541 في 17 ابريل «نيسان» 2002) اورد فيها اقتراحا بإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق، حيث ان تحليلات السامرائي ونظرياته في الحرب والسلام وشؤون الشرق الاوسط لا تعنينا ولا تستحق التوقف عندها، الذي يهمنا في مقالة السامرائي هو دعوته لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق وكأن العراق ضيعة عائدة له. ان هذه الدعوة الاستفزازية لم يجرؤ اعتى الصهاينة على طرحها، بل ان شارون نفسه لم تبلغ به الجرأة على طرح مثل هذه الفكرة. ونقول له ولغيره، بأن العراق ليس وطنا للبيع او للايجار لأي مخلوق، وهو ملك العراقيين وحدهم وهم بغالبيتهم يقررون اموره.

يقول السامرائي ان العراق استقدم عمالة تقدر بنحو اربعة ملايين خلال السبعينات، ويريد ان يعوضهم بأربعة ملايين فلسطيني دون ذكر ماهية عمل تلك العمالة، على فرض ان هذا الرقم المبالغ فيه صحيح. ولكونه عسكريا لم يدر بخلده ان الاربعة ملايين عامل المفترضين كانوا عمالا منتجين قدموا الى البلد افرادا وليس برفقة عائلاتهم. ولو فرضنا ان لكل منهم عائلة تتكون من خمسة افراد، وهذا معدل متواضع في وطننا العربي، لكان عدد الذين قدموا عشرين مليونا، أي اكثر من نفوس العراقيين في ذلك الوقت بعدة ملايين.

يسكن في لبنان حوالي اربعمائة الف فلسطيني، وفي سورية نفس العدد تقريبا «وفي العراق بحدود الاربعين الفا» وفي الاردن ما يزيد على المليونين ونسبة كبيرة ممن يسكنون الاردن من الحرفيين المهرة والاطباء والمهندسين وخريجي الجامعات والمدرسين.

ان غالبية كبار التجار ورجال الاعمال في الاردن من اصل فلسطيني، فهل يريد السامرائي لهم ان يتركوا اعمالهم ليؤدوا اعمالا كان يقوم بها الوافدون الى العراق كالبناء والاعمال الزراعية والتنظيفات والخدمات وعمال المطاعم والحراسات وسياقة السيارات والشاحنات؟ واين هي مثل هذه الاعمال في المدى المنظور بعد ان حول النظام العراق الى خراب، ويشهد الآن نسبة بطالة عالية جدا وانخفاضا مريعا في اجور العمل حتى مقارنة مع دول فقيرة كسري لانكا وبنغلاديش اذا اخذنا ما يتقاضونه شهريا بما يعادله بالدولار الاميركي قياسا، مما ادى الى ارتفاع نسبة الجريمة بشكل لم يسبق له مثيل في كافة العصور التي مرت بها البلاد. وقبل المزيد من الاسترسال في هذا الموضوع نسأله، هل قام بأخذ رأي اخواننا الفلسطينيين واستفتاهم حول مشروعه قبل ان يقدم خدماته؟ واذا قبل الفلسطينيون باقتراحه جدلا (وهذا مستحيل) فلماذا هذه التضحيات النادرة والتشبث البطولي بالارض والوطن والمقدسات في ارض الاسراء والمعراج واولى القبلتين وثالث الحرمين؟ لا جواب لدى السامرائي الذي يبدو ان شاغله الاوحد هو تقديم الخدمات لتصفية القضية الفلسطينية، التي عجزت اسرائيل عن تصفيتها هي وحلفاؤها.

يدعي السامرائي عدم وجود اختلافات بين الفلسطينيين والعراقيين من ناحية العادات والتقاليد والثقافات، وهذا ليس صحيحا، وسببه عدم المعرفة، لأن الفلسطينيين اقرب الى سورية الكبرى (بلاد الشام) التي هم جزء منها ومن ثقافتها وتقاليدها في كافة المجالات. فهل رأى السامرائي عراقيا يأكل الزعتر وزيت الزيتون والحمص والزيتون والفلافل كطبق شبه يومي، ويشرب شاي الميرامية بدلا من الشاي السيلاني (السري لانكي) الفاخر؟ ام رأى فلسطينيا يخزن التمر والدبس والرز ويطبخ البامية والباذنجان والقوزي والكبة العراقية بكافة انواعها ويأكل السمك المسقوف؟ وهل توجد في ارض فلسطين مراقد لاحفاد الرسول (صلى الله عليه وسلم وعليهم السلام) كما توجد في النجف وكربلاء وبغداد وسامراء وما تعنيه هذه الاضرحة، (وهو يعلم ما تعني) للغالبية الساحقة من افراد الشعب العراقي على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم. وهي ليست كذلك بالنسبة للفلسطينيين ليدعي السامرائي بتشابه الثقافة والتقاليد.

لا اريد ان اطيل في هذا الموضوع، بل اسأل سؤالا واحدا لكل ذي عقل وهو: اذا كانت استراتيجية اسرائيل وانتصارها تعتمد على الحرب الخاطفة، أليس مقتلها يأتي باستراتيجية عربية تعتمد الحرب الطويلة الامد مهما كانت الخسائر في الايام الاولى، حتى لو أدى ذلك الى احتلال عواصم عربية، فأرض العرب ميدان هائل لا تستطيع اسرائيل او غيرها السيطرة عليه اذا توفرت لدى المسؤولين العرب العزيمة والتصميم على غسل عار الهزائم السابقة والمتلاحقة. وهل بإمكان اسرائيل ان تقاتل العرب جميعا لبضعة اشهر ولا اقول لسنوات؟ وصمود ابطال جنين اكثر من صمود جيوش عربية نظامية امام آلة اسرائيل العسكرية البرية والجوية والمخابراتية والخونة من الفلسطينيين ووحشيتها التي لا مثيل لها مثل آخر على قدرة الشعوب العربية على القتال ببسالة منقطعة النظير.