ثلاث نظريات محصلتها صفر

كيسنجر ومعادلاته لإدارة الصراع في المنطقة بدلا من حله

TT

انتظرت أن أرى تعليقا على مقال هنري كيسنجر المنشور في «الشرق الأوسط» يوم 2002/4/14 فلم أجد أي رد فعل فقررت ان اكتب هذا الرد:

هنري كيسنجر رجل داهية، لا تتناطح في ذلك عنزتان، كما انه رجل متعدد المواهب، جمع ما بين الاكاديمي والسياسي والديبلوماسي والصحافي وحتى المعلق الرياضي.

لقد عرف كيسنجر كرجل الازمات والمهمات الصعبة، بمعنى انه يسخر مواهبه ليس لحلها وإنما لتعقيدها واطالتها، وقد اخترع لذلك عددا من الآليات أشهرها «ديبلوماسية الخطوة خطوة» و«الديبلوماسية المكوكية» و«سياسة حافة الهاوية». لكنه في هذه المرة تفوق حقيقة على نفسه. فقد حاول أن يبيع لنا الهواء. واذا كان ما جاء به يمثل نظرية أميركية رسمية وهو لا ينطق عبثا، فإن الامر يصبح جديا وجد خطير، وعلى الفلسطينيين والعرب ان يستخلصوا النتائج اللازمة. فهو يقول لنا ببساطة ان السلام غير ممكن، والتطبيع شيء لا يذكر، والمبادرة السعودية التي اقرها مؤتمر القمة في بيروت غير ذات قيمة لاسرائيل وان حدود 1967 مجرد خط هدنة وان الهدف الوحيد للفلسطينيين هو تدمير اسرائيل عاجلا أم آجلا، رغم ان الدولة العبرية أقوى من أي دولة عربية، وبالتالي فإنه يخلص الى ان ازمة الشرق الاوسط لا يمكن حلها الآن بل فقط ادارتها باقرار نوع من الامر الواقع وتأجيل الحل النهائي الى ان تمر فترة كافية من الوقت بدعوى اعادة بناء ثقة الاسرائيليين في التسوية، وهذه الفترة الكافية غير محددة زمنيا. ومعنى ذلك ببساطة ان يحصل الفلسطينيون على أرضهم عندما يشيب الغراب.

لقد حاول كيسنجر في الماضي ان يروج لنظرية «الارض مقابل الأمن»، التي صاغها ليهدم مبدأ «الأرض مقابل السلام» الذي أقره المجتمع الدولي. وحسب نظريته تلك فإنه غير مقبول مقايضة الارض التي هي شيء يمكن قياسه بالسلام الذي هو شيء أو حالة لا يمكن قياسها. والبديل هو مقايضة الارض بالأمن. وباعتبار ان الأمن لا يتحقق لاسرائيل الا بتوفير العمق الاستراتيجي، فإن مؤدى النظرية انه لكي يحصل الفلسطينيون على أرضهم يجب ان يوافقوا على تركها تحت سيطرة اسرائيل. أي في النهاية لا يحصلون على شيء.

نظريته الجديدة: «الارض مقابل الوقت» ومؤداها كسابقتها يبقى: لا شيء. اما اشارته في نهاية المقال الى المساعدات الاميركية، وقبلها الى الاوضاع الداخلية لبعض الدول العربية الناجمة عن التوتر في منطقة الشرق الاوسط، فهي تلويح مفضوح بسياسة العصا والجزرة الكلاسيكية وكان الاجدر عدم اقحامها في هذا السياق.