ثلاث طرق لسلام دينس روس

شارون لا يريد السلام.. والفلسطينيون متمسكون برئيسهم والفصل حل مؤقت

TT

طالعت مقالة دينس روس في «الشرق الأوسط» الأحد 2002/4/28 تحت عنوان «ثلاث طرق شاقة نحو السلام» اردفها بقوله: «تحريك العملية السياسية بشكل اكثر فعالية يتطلب الاعتراف بدولة فلسطينية» وهو إحدي الطرق المقترحة.

انا لست دبلوماسيا ولا صحافيا وانما انا مواطن عربي من بين مائتين وخمسين مليونا من العرب الذين قد يطلع البعض منهم على ما كتبه هذا الدبلوماسي المحترف فيعجب لما وصل اليه تفكير بعض من ينظرون للأمور بعين مختلفة، ولا يفكرون الا في ما يهمهم.

يرى روس انه اذا كانت الحكومة الاسرائيلية قد نجحت في تدمير وزعزعة معظم البنى التحتية لجماعات المقاومة الفلسطينية، التي سيعاد بناؤها بطرق انجع مما سبق، وبرجال اقوى شكيمة وأشد مضاضة، فلا يعقل ان تترك الفرصة سانحة لتجديد هياكل المقاومة لكي يعود الوضع على ما كان عليه اي العودة الى نقطة الصفر.

امام انسداد المنافذ بهذا الشكل البغيض ومواصلة عرفات لدوره السلبي، كما يزعم دينس روس ويزعم غيره، فلا جرم من تنحية عرفات وازالته من الطريق ليخلو الجو لشارون والطغمة الحاكمة في اسرائيل فيشبعونها اضعافا وتدميرا.

الا ان هذا السيناريو لا يخلو من المعوقات واولها اصرار العرب على التشبث بعرفات ثم صعوبة العثور على من يقبل ان يخلف عرفات ويمكن الاسرائيليين من املاء شروطهم المجحفة على الشعب الفلسطيني، وهذا ما يسميه دينس روس، بين الخيارات الثلاثة المتاحة، بخيار «تجاوز عرفات».

هل فكر دينس وغير دينس من اصحاب اخذ القرار في الولايات المتحدة ان يكون العائق امام السلام غير عرفات؟ هل قدروا ان يكون العائق هو شارون نفسه وزبانيته، أم انهم قد صنفوا الرجلين تصنيفا نهائيا، هذا سلبي وعائق امام السلام وذلك (شارون طبعا) لا يمكن الا ان يكون كما وصفه الرئيس بوش «رجل سلام».

الطريق الثانية تتمثل في الاعتراف بدولة فلسطينية، وهي الاغنية التي اصبح الكل يؤديها بعدما قبلها شارون، لكنه اعتراف رمزي لا يتجاوز مساحة 40 في المائة من الضفة و60 في المائة من قطاع غزة. حيث يتحمل الفلسطينيون المسؤولية ـ يا لها من مسؤولية ـ من ناحية نظرية على الاقل، خلال فترة زمنية. هذا على افتراض ان الفلسطينيين سيوفون بالتزاماتهم ويعني روس، ان لا يقوموا بأي تحرك ثوري او ما يشير الى ان هناك شعبا يعيش تحت نير الاستعمار الاسرائيلي الفظيع، يجب على الفلسطيني ان يخنع ويسكن ويقبل ما يخطط له ولمستقبله في كواليس الكنيست او كواليس البيت الابيض على حد سواء.

وبهذا الاعتراف سيسمح للفلسطينيين بالتعامل في المفاوضات على قدم وساق مع المفاوضين الاسرائيليين من حيث المسؤولية القانونية، وهكذا نضمن الامن للاسرائيليين والذي يمثل طبعا الهدف الاسمى من كل هذه التحركات.

وهل لنا ان نسأل عن أمن الفلسطينيين في كل هذا؟ فهذه الطريقة رهينة بقبول شارون الاعلان عن الدولة الفلسطينية من ناحية وقبول تجميد بناء المستعمرات ثم قبوله للتفاوض مع عرفات من ناحية ثانية.

فإذا قبل شارون كل هذه القواعد، وهذا ما نشك فيه، فعلى عرفات طبعا الالتزام بقبول الجدول الزمني الذي سيفرض عليه بغية السعي التدريجي لحل النزاع، وهو اي عرفات سيقبله مذعنا اذا توفر لديه اعتقاد بأنه لن يحصل على المزيد.

وكل هذا مشروط بايقاف النضال وايقاف الانتفاضة ومنع وتحريم العمليات الاستشهادية التي لم يبق غيرها سلاح بيد الفلسطينيين للدفاع عن كرامتهم ومقدساتهم وارضهم ودورهم واطفالهم.

وهذا السيناريو الآخر من طرق السلام المتاحة ليس في المتناول تحقيقه نظرا لموقف شارون الرافض رفضا باتا. الجلوس للتفاوض مع عرفات، ونظرا لأن هذا الاخير قد يعتقد انه يستطيع التماسك لمزيد من الوقت، ولأن كونه اصبح ضحية سيدفع الرأي العام لمزيد من التأييد للفلسطينيين، بالاضافة الى ان المطلوب منه قبل اي تحرك سياسي باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية او التفاوض هو الوفاء بالالتزام الصارخ المتعلق بتوفير الامن للاسرائيليين، وهذا امر صعب المنال في الظروف الحالية كما سيكون اصعب مستقبلا بعد ما ارتكبته حكومة شارون وجيشه النازي من المحارق والمجاز.

فهل سيشارك عرفات والسلطة الوطنية في مثل هذا الخيار المتاح؟ والذي يضمن الامن لاسرائيل في احتلالها واستعمارها وتوسيع المستوطنات بالضفة والقطاع بكامل الصلف متخلصة من الرعب الذي عشش في نفوس المستعمرين المستوطنين واصبحوا بفضل بضع عشرات من المستشهدين الابطال يفكرون في العودة من حيث جاءوا والفرار بجلدتهم الى حيث الطمأنينة والعيش السليم، هذا شأن كل محتل غاصب وهو المآل الحتمي حتى ان كانت في حمايته اعتى جيوش العالم.

يسلك دينس روس طريقا ثالثة للسلام تتمثل في الفصل من جانب واحد، ان كان هذا السيناريو لا يلقى قبولا من طرف الحكومة الحالية في اسرائيل الا ان عددا متزايدا من رجال الاستعمار الاسرائيلي يحبذون هذا الخيار، خصوصا ان اسرائيل غير قادرة على الدفاع عن جميع المستوطنات القائمة.

فإقامة مناطق عازلة ووضع الاسلاك الحاجزة وان كان حلا ظرفيا، لا يرجى من ورائه حل النزاع، لكنه سيمنع التداخل بين الشعبين وسيمنع بالاخص تسرب العمليات الانتفاضية بجميع اشكالها الى الربوع الاسرائيلية، وذلك لردح من الزمن يجعل الحياة افضل بالنسبة للاسرائيليين طبعا، اما ان يحبس شعب بأسره وراء الاسلاك الشائكة بحيث تصبح فلسطين بكاملها سجنا، لا يطيب فيه العيش، فذالك شأن آخر، ليس من مشاكل هذا المنظر لسياسة القهر والاذلال.

الا يجدر بدينس روس العودة الى الدبلوماسية عوضا عن هذه السيناريوهات المبنية على خرافات ذات ابعاد اعتقادية زائفة، وهكذا يعود الى الجادة في لقاء ودي مع نظيره توماس فريدمان الذي يقول ان اضاعة الفرصة السانحة في مثل هذا الظرف الذي برهن كلا الطرفين على امكانياته، تعتبر جريمة في حق الدبلوماسية، اذ قد برهن الفلسطينيون على انه باستطاعتهم جعل الحياة في اسرائيل مستحيلة، خصوصا وطابور الاستشهاديين كل يوم في ازدياد، سواء على المستوى الفلسطيني او المستوى العربي الاسلامي، كما اثبتت اسرائيل حدود قدراتها امام ثورة الشعب العارمة.