فيروس الحب وفيروس الأباتشي والبلدوزرات

لو كان الإسرائيليون أنقذوا الجرحى ولم يدمروا سيارات الإسعاف لشاهدنا ذلك على الفضائيات

TT

في مقاله المنشور على صفحات «الشرق الأوسط» يوم 2002/5/13، تحت عنوان «الغباء الكوني للقرية الكونية» يتذمر الصحافي الأميركي توماس فريدمان من بعض المحطات الفضائية التي تعرض، من دون انقطاع، مشاهد الاسرائيليين يضربون ويجلدون ويصفعون ويسحبون ويقتلون الفلسطينيين... غرضها الوحيد إلهاب العواطف. وأسأل: هل شاهد مصور ما الاسرائيليين وهم يقدمون الورود وحليب الاطفال الى الفلسطينيين؟، وهل جاءت سيارة اسعاف اسرائيلية واحدة لنقل امرأة او طفل ينزف، وليس مقاتلا، الى المستشفى؟ ان حصل ذلك، ولم يصور ويبث على الفضائيات، فقد تكون في الأمر مؤامرة تحاك ضد دولة اسرائيل الانسانية الديمقراطية. ألم يسمع توماس فريدمان عن الجرحى الذين نزفوا حتى الموت؟ ألم يشاهد الفلسطيني الذي سحبه اربعة من جنود اسرائيل، او ذلك الجريح الذي كان يقبض على ساقه ذراع الروبوت العسكري الضخم؟

ينقل فريدمان عن احد الاندونيسيين رؤيته لافتات تدعو المسلمين الى الجهاد وإلا فإن المسيحيين واليهود سوف يقتلوننا، وان هذه الشعارات نشرت على شبكات الانترنت فصدقها الآخرون، غريب ان يحشر فريدمان اسم المسيحيين بدل اسم الاميركان صراحة، وهل نسي ان هناك عربا مسيحيين يتعرضون للظلم ليل نهار؟ وماذا يا ترى فعل الاسرائيليون اليهود بالعرب المحيطين بهم وفي مقدمتهم الفلسطينيون؟ هل يستطيع توماس ان يسأل جيرانه من سكان اميركا اللاتينية: لماذا يكرهون المسيحيين؟ اشك انه سيستطيع ذلك، فحين يتعلق الامر بأميركا اللاتينية المسيحية لا يستطيع طرح قضية كراهية المسيحيين، بل عليه هناك ان يسأل اللاتينيين: لماذا يكرهون الاميركان؟

ارسلت الى صحف كثيرة عبارات ليس فيها ما يشبه لفظ «مزبلة» لكنها حذفت ولم تنشر، ومع ذلك لم اعتب، بينما يتمتع فريدمان بموهبة توصيف الانترنت بأنها «مزبلة مفتوحة»، ويسمح له بنشر هذه العبارة. والامر الباعث على السعادة هنا، ان هذه المزبلة اللطيفة لم تكن صناعة افريقية او آسيوية، انما هي صناعة اميركية بحتة، ومن حسن حظنا ـ نحن فقراء العالم الثالث ـ ان يقيّم واحد من ألمع الصحافيين الاميركيين الانترنت على انه مزبلة، فماذا لو جاء هذا التقييم من احدنا؟ ماذا سيكون رد توماس فريدمان عليه؟، بل ماذا سيكون رد وزارة الدفاع الاميركية علينا؟

يتحدث فريدمان اخيرا عن فيروس الحب وفيروس الكراهية، وبودي ان أسأله: ما هو نوع الفيروس الذي تزرعه حاملات الطائرات الاميركية، والبلدوزرات الاسرائيلية، وصواريخ كروز وطائرات «إفـ16» والاباتشي وغيرها من اسلحة الدمار الشامل؟ أم هل ان الاميركيين واسرائيل يتمثلون مقولة «ومن الحب ما قتل»؟