مارجريت زيل أو ماتاهاري.. ضحية حسنها والسياسة

TT

على الصفحة الأخيرة من عدد يوم الثالث من ذي القعدة، نشر تحت هذا العنوان «العدالة الفرنسية تنظر في إعادة الاعتبار لأشهر جاسوسة في التاريخ .. ماتاهاري».

تنظر وزيرة العدل الفرنسية ماريليز لوبرانشو في طلب فريد من نوعه، لإعادة محاكمة ماتاهاري، الراقصة الهولندية الحسناء التي أعدمت بالرصاص في باريس عام 1917، بتهمة التجسس لحساب الألمان. ويقف وراء تحريك هذا الملف، الذي كان أغلق قبل 84 عاما، استاذ للفيزياء ثمانيني متقاعد يدعى ليون شيرمان، تسانده بلدية مدينة ليواردة الهولندية مسقط رأس الجاسوسة، كذلك مؤسسة تحمل اسمها وتعمل على تبييض صفحتها.

ماتاهاري، كما كانت تحب أن يُقال لها، ربما ارتكبت أخطاء فادحة عندما قررت اللعب مع الذئاب، ولم يكن لديها من الذكاء ما يؤهلها، أو ما يخولها الاعتماد عليه غير جمالها الساحر، وفتنتها الصارخة، مما أوقعها ضحية من تلعب معه لعبة خطرة.

ولعل ما قيل عنها إنها لم تلعب دوراً خطيراً تستحق أن تساق بسببه إلى الإعدام كان صحيحاً، لكن كان لا بد من تقديم الضحايا في زمن الحرب.

وماتاهاري، حين كانت مطالبة من قبل المكتب الثاني في باريس عام 1916، بتصريح يمكنها الدخول إلى فيتيل، كانت في حوالي الأربعين من عمرها، وكان يقال إن من يلتقيها يقع في غرامها، فقد كانت ساحرة الجمال ذات جاذبية طاغية قادرة على إيقاع الكثيرين في غرامها شُبهت بشرتها بخليط من الورد واللبن، تحدث عنها أحد القادة العسكريين بأن لها رغبة شديدة بأن تنسب إلى الأسر العريقة والماضي المجيد يدفعها للوقوع في أشياء مثيرة للضحك. ومارجريت زيل وهذا هو اسمها الحقيقي، لم تعش في جاوة، بل من المؤكد انها عاشت في سيلان (سري لانكا حاليا) خمسة أعوام، وتزوجت من الكابتن ماك لويد، وطلقت منه لأسباب مثيرة جدا وردت هي بكلمات أكثر إثارة وأكثر قذارة، وذلك رداً على ضربه لها قبل طلاقها.

وما أن سافرت إلى باريس، بعد طلاقها، واستقرت بها، حتى سجلت لدى السلطات الفرنسية كعنصر خطر، وهي التي كانت تقول دائماً إن من تكون على مثل هذا القدر من الجمال، لا بد أن تكون خطراً على الرجال عشّاق الجمال، وهي لم تنكر يوماً علاقتها مع كبار المسؤولين الألمان، ولم تنكر أيضاً ان لها عدداً كبيراً من الاصدقاء من كبار الساسة في فرنسا، لكنها لا تحب أحداً في ألمانيا أو في فرنسا، وكانت تجاهر دوماً بحبها لروسي يدعى فاديم ماسلوف، اصيب في المعارك في عينيه وأصبح فاقد البصر وقبلت الزواج منه لتصبح عينه التي يبصر بها، كما قالت هي ذات يوم في معرض حديثها عنه.

عُرفت ماتاهاري بحبها للمال بأي صفة يأتي بها، وكثيراً ما كانت تحصل عليه من أعمال مشروطة، لكن تلك الأموال لم تطفئ، ولو جزئياً، أو آنياً، دوافعها الغرامية، وهي ـ هذه الدوافع ـ ما تقع وراء أدوارها الجاسوسية، لكن لا يمكن وصفها بالخطرة كخطورة بعض جواسيس أشد منها ذكاء وأشد خبرة وأكثر مراساً ولا يمكن وضعها إلى جانب أولئك الذين حولوا مجرى التاريخ.

مارجريت زيل هي خليط من العصيان الذاتي الواقعي للحياة، اختلط بحب العظمة وصدّقه غرورها في بحث عن الذات طغى على جميع جوانبه الالتصاق بعظمة الشخصية وحب المال (ادفعوا لي أجري ودعوني أذهب إلى الشيطان). وفوق كل هذه الصفات التي تتمتع بها فهي تفتقر إلى الحد المعقول من الذكاء، اضافة لعدم حصولها على التعليم النظامي الكافي.

فكل الذين قبضوا عليها وحاكموها، وحاوروها أو أدانوها، بينهم اصدقاء مقربون منها لطالما سهروا وناموا معها، سجنوها وهي لا تصدق أنها ذاهبة إلى الزنزانة رقم 13 في سجن سان لازار قرأوا عليها أدلة تدينها بالتجسس لحساب الألمان، ولم تكن أدلة تكفي لإعدامها الذي صادف يوم الخامس عشر من سبتمبر (أيلول) 1917، وحين لم يكن لديها ما تدفع به عن نفسها التهم، ظلت تردد اعترف بماذا؟ ليس هناك ما يثقل ضميري حتى اعترف. سيتبين لكم فيما بعد، أنكم أعدمتم بريئة. وحين أرادوا عصب عينيها، قالت لست جبانة قبل ان تهوي الى الارض بعد اطلاق النار عليها ـ فهي امرأة ضحية.