عندما يعلو صوت العقل

مداخلات تسهم في تطوير عمل الفضائية وتقرر دورها

TT

شاهدت واستمتعت بالحلقة المتلفزة من برنامج «اكثر من رأي» التي اذاعتها قناة «الجزيرة» الفضائية يوم الجمعة 5/3/1423هـ وشارك فيها عبد الرحمن الراشد وعبد الباري عطوان ود. وحيد عبد المجيد نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالاهرام، والمدارة من قبل سامي حداد، والتي تناولت بالتحليل مقررات ونتائج مؤتمر القمة المصغر بشرم الشيخ، ولقد تميز الراشد في هذه الحلقة بهدوئه وتحليله المباشر وملاحظاته الدقيقة على المتصلين بالبرنامج اضافة الى تصديه وربما لاول مرة لمدير الحلقة وتذكيره بانه يحمل صفة «المحاور»، ولا يجب ان يتعداه الى املاء آراء او توجيهها.

لاول مرة منذ فترة طويلة وربما ان شئنا ان نقول منذ انطلاق الانتفاضة الثانية، او تحديدا منذ الاجتياح الاسرائيلي لرام الله وجنين واحتلال كنيسة المهد وحصار مقر رئيس السلطة الفلسطينية، نستمع الى صوت عقلاني يعلو بشكل موضوعي ومنظم ومحدد، يشخص الواقع دون مبالغة، ويفسر الامور بمدلولاتها ويستشرف المستقبل من خلال قراءة الواقع وامكاناته ومحدداته، معظم الآراء التي تناولها الراشد سبق ان تناولها بالتحليل كتابة في جريدة «الشرق الاوسط»، ورغم تميزها في حينه، الا انها لم تكن في وقع ما سمعناه في هذه الحلقة المذاعة، وانا كمواطن عربي اجدني في انحياز كامل لجميع ما تناوله الراشد من آراء، وفي صد كامل ايضا عن الآراء والاشارات التي حاول عطوان وحداد ان يمررانها من خلال البرنامج.

لو كان هناك انصاف لحرصت القنوات العربية على الاكثار من البرامج التي تستضيف فيها الراشد وتتيح مساحة مناسبة من الوقت. فمثل هذه المقابلات يتيح للمواطن العربي رؤية واضحة ومطلعة تعترف بالواقع وتتطلع الى استثماره نحو الافضل دون مزايدة او بحث عن امجاد، خاصة ان هذه الازمة التي مرت بها الامة ابرزت مدى الفراغ في الوعي الذي يعاني منه المواطن، وبروز الكثير من المزايدين الذين حاولوا استثمار هذا الفراغ بالعزف على اوتار معروفة لصنع امجاد شخصية، او ترتيب اوراق مستقبلية، فالجميع يعلم اننا امة ليست متخاذلة، ولكن حركة التاريخ التي تمر على الدول يجب الاعتراف بها، فنحن الآن في مرحلة من الضعف النسبي، فهل نزيد الضعف ضعفا بمناطحة الجبال؟ ام نعترف بواقعنا ونسعى الى تغييره واكتشاف مكامن الضعف لتعديلها؟ فحركة التاريخ لم تضع دولة في قائمة الهرم ابد الآبدين.

كما اعجبتني مداخلات الراشد في دقة ملاحظته عند توجيهه للمحاور لسؤال من ادعى بانه سعيد العتيبي لسؤاله عن صحة اسمه ومنشأه، اذ كثيرا ما يدعي شخص ما نسبه لدولة ما ثم يبدأ بالافتراء عليها وعلى اهلها وقادتها، فما هي حاجتنا الى ذلك؟ من لديه رأي ليعبر عن رأيه فالمجال مفتوح دون تحايل او ادعاءات، نقطة اخرى اثارت اهتمامي تناولها الاستاذ الراشد وكان سبقه اليها نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، هي الاعتراف ان عالمنا العربي هو عالم بشر وليس ملائكة، فيه اختلافات في الرؤى والتوجهات، ولكن حركة التاريخ جعلته اكثر قدرة على تقبل هذه الاختلافات حتى في اعلى قمة هرمه القيادي، فتطور نهج التعامل مع الاختلافات من اسلوب القطيعة الى نهج النقاش والتحاور وايجاد ارضية مشتركة، وربما كانت هذه النقطة تحديدا هي اقسى معول ساهم في وأد توجه البرنامج الذي سعى له منذ البداية بتسليطه الضوء على الاختلافات والتعجب من هذا التلاقي الذي ربما لم يعجب البعض، ولاول مرة اجد الاستاذ سامي حداد الذي دائما ما نغبطه على ثقافته الواسعة وسعة اطلاعه يسعى لتمرير بعض الافكار استنادا الى مصادر معلوماتية ضعيفة او غير معروفة خاصة التي استهل في استناداته الاشارة لها، كما اعتقد ان الاستاذ عطوان بعد هذا البرنامج سيراجع نفسه كثيرا اذا ما دعي للقاء مماثل يحضره الراشد، فقد افقده الراشد الكثير من القاعدة الشعبية التي سعى لبنائها خلال الفترة الماضية، فلأول مرة لم تستسغ اسماعنا احاديث الدبابات والصواريخ والقذائف والجيوش المجيشة والتنكيل بالقادة سبابا، فصوت العقل الذي فجره الراشد افاق جميع من شاهدوا هذا البرنامج من غفلة ادخلوا فيها عنوة.

حقا لقد انتصر العقل.