بيان المثقفين السعوديين والصدق مع النفس

TT

في مقالة بعنوان «يداوي الناس وهو عليل» الصادرة يوم الاحد الموافق 2002/5/19 العدد 8573 أورد الدكتور تركي الحمد ملاحظات ثاقبة حول بيان المثقفين السعوديين. وكعادته قدم لنا تشخيصا دقيقا لعلة مجتمعنا ألا وهي البون الشاسع بين ما نقول وما نفعل، ما نطرحه نظرا وما نفعله عملا، فهناك شبه انفصام بين قيمنا الاسلامية السامية وبين ممارستنا اليومية والمفترض انها مرتكزة على ذات القيم الاسلامية السامية. لعل من اسباب ازمة الحوار مع الغرب والتي تكشفت بوضوح بعد الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) هو اننا في حوارنا نتحدث عما يجب ان يكون، بينما يتحدث الغرب عما هو كائن بالفعل، وشتان بين التمني والواقع، وربما من ابسط الامثلة على ذلك هو الحوار الذي طالما يدور بين الفينة والأخرى حول قضية المرأة، فإننا كثيرا ما ننبري لتوضيح موقف الاسلام العادل من المرأة، ونبين كيف كرمها بعد ان كانت مهانة في الجاهلية، ونعدد الحقوق التي منحها اياها الاسلام، ونذكر كيف كانت حضارات اخرى تبخس المرأة أبسط حقوقها، ونشير ايضا الى السلبيات في وضع المرأة في العالم الغربي المعاصر، نؤكد كل ذلك متجاهلين تماما ما تعيشه المرأة في معظم المجتمعات الاسلامية من واقع مأساوي تسلب فيه معظم حقوقها التي ما نزال نؤكد دائما ان الاسلام كفلها لها. أما الغرب الذي ـ كما يوضح د. الحمد ـ يعرف جيدا ما نحن عليه من اوضاع فيتعجب مما نقوله لانه يدرك انه مغاير للواقع، عندما يتحدث المحاورون من الغرب عن وضع المرأة في مجتمعنا فإنهم لا يتحدثون عما يجب ان يكون عليه وانما يشيرون الى وضعها في الواقع، فيتحدثون عن الحقوق التي اكتسبتها المرأة بعد مسيرة كفاح طويلة. إذا أردنا ان نحاور الغرب يجب ان يرتكز حوارنا على نفس الارضية التي يرتكز عليها حواره، فحوار منطلق من الواقع لا ينبغي ان يقابله حوار مبني على المثالية. وقبل ان نبدأ حوارنا مع الغرب بل قبل ان نبدأ حوارنا مع الغير من بيننا علينا أولا، كما أوصى د. الحمد، بالصدق مع النفس.