ليس معتديا من يضع قدميه على أرضه

هكذا رد ميشال جوبير عندما اندلعت حرب اكتوبر

TT

افتقدت فرنسا ابناً عظيماً من ابنائها، علماً من اعلام الساسة العظام الذين كرسوا حياتهم لخدمة العدالة في اوطانهم وخارجها. كان ميشال جوبير فرنسيا انسانياً تشمل محبته الكون باسره «فان تكون فرنسياً يعني ان تكون انسانيا محباً للانسان والانسانية كافة». كان صديقا واخاً لي، عرفته منذ ربع قرن، لم يتردد، هو الوزير، في زيارتي وانا طريح المرض في المستشفى الاميركي في باريس. يلبي دعوتي على الغداء، والتي عادة ما تضم سفراء عرباً اصدقاء منهم من رحل ـ الدكتور بطرس ديب السفير اللبناني المتألق ـ والاديب والسياسي البارز الهادي المبروك، سفير تونس ووزير الخارجية السابق، وخالد محمد الميان القنصل السعودي ذو الكفاءة العالية، الذي ناب في حينه، عن سفير المملكة العربية السعودية الشيخ جميل الحجيلان، الدبلوماسي الكبير والمثقف، والراحل سفير السودان يوسف مختار، الذي لم تعرف الدبلوماسية السودانية، عبر تاريخها، سعة اطلاع وكفاءة وحضورا مثل ما لديه، والسفير حمادي الصياد، ممثل الجامعة العربية في باريس، والذي افتقدته الساحة السياسية العربية، الى جانب صحافيين عرب، اذكر منهم الصديق ياسر الهواري الشخصية الهادئة والمهذبة، صاحب الاسلوب المتميز في الصحافة العربية. حين اقمت مأدبة على شرف وزير خارجية جمهورية مصر العربية السابق الراحل اسماعيل فهمي، الذي يعتز الراحل بصداقته عام 1982 في باريس، ذكره وزير الخارجية المصري بلقائه به عام 1974 وهو في طريقه الى الولايات المتحدة، بانه وهو يتحدث معه في (الكودرسي) ـ لم يسمع منه الا كلمة (وي) بالفرنسية والتي تعني (نعم) ـ فاجابه: سيدي الوزير: لقد كنت تدخن سيجاراً، ولم استطع ان اقول لكم انني لا احب التدخين، ثم انكم لم تعطوا لي المجال في الحديث، كان ظريفاً، قوي الحجة، لا تخونه العبارات يختار كلماته بدقة ـ (لقد وصفه الراحل الوزير فهمي في كتابه، بانه شخصية متعجرفة بالرغم انه يحاول ان يبدو غير ذلك)..

حين عودته من زيارته لسورية ومصر والمملكة العربية السعودية خلال حرب اكتوبر، التقاه وزير الخارجية الاميركي كسينجر في باريس ـ وقال له: لقد تحولت الى بطل قومي عند العرب. فاجابه: تستطيعون يا مسيو كيسنجر ان تكونوا كذلك ايضاً، لو وقفتم الى جانب العدالة.. عليكم ان تعلموا انكم وزير خارجية اميركا وليس وزير خارجية فرنسا، فأننا وزير خارجيتها، وصدقني لا ارغب في ان اقاضيكم.

غياب ميشال جوبير ـ غياب جبل انزاح من مكانه ليترك فراغاً في القلب وفي الارض. افتقدته فرنسا ـ ونحن العرب وقف الى جانب قضايانا العادلة، كان رجلاً عظيماً، لذلك كان له اعداء كثر على حد قول كيسنجر ـ لكن فوق كل جبل كبير يتجمع الضباب ـ اعداؤه.. اعداء العدالة والحق والخير والجمال ـ واحباره، اصحاب القضايا الحق في زمن يغيب ويفتقد به من يعتبرون العدالة وترسيخها الاساس في وجدانهم حيث مواقعهم السياسية. جوبير، وجدان امة عظيمة وضمير شعب.