حتى لا يشرب أطفالنا المياه بالنيكوتين

TT

قرأنا في جريدة «الشرق الأوسط» خلال الايام القليلة الماضية، خبرين يبدوان منفصلين للوهلة الاولى، لكنهما في الحقيقة مترابطان، اولهما انتحار طفلة نمساوية في سن العاشرة من عمرها وهي تطلق رصاصة تستقر في صدرها وتموت في الحال منتحرة تاركة رسالة لوالديها تبرر سبب انتحارها ووصيتها، والسبب كان شعورها باليأس والاحباط وخوفها من الفشل الدراسي، وثانيهما هو اختراع غربي جديد عن مياه بالنيكوتين وشكولاته بالنيكوتين وكذلك مصاصة وحلوى للاطفال بالنيكوتين ايضا، الامر الذي دفع جمعيات محاربة التدخين الى تكريس جهودها وطاقاتها من اجل محاربة هذا المنتج الجديد والقضاء عليه، حماية للطفولة البريئة.

وبالنظر لهذين الخبرين نكتشف الحد الذي بلغته سيطرة المادة على جوانب الحياة والكيفية التي قضت بها على القيم الانسانية والمعنوية. ففي الحالة الاولى وهي انتحار الطفلة، لا بد من وجود عدد من الاسباب التي دفعت بها الى الانتحار، اولها ضعف الوازع الديني والجانب العقائدي، وبالتالي التفكك الاسري. وكيف يمكن ان ينتظر منها عكس ذلك؟ وهي وجدت في بيئة تدعي التحرر بينما تقدم النيكوتين للاطفال مرة في المياه ومرة في الحلوى.

واصحاب هذا المنتج ـ للاسف الشديد ـ يرون انه مناسب جدا (من وجهة نظرهم) للسادة الذين يريدون الحصول على النيكوتين في اوقات يمنع فيها التدخين، كالمكاتب الحكومية او وسائل النقل من طيران وخلافه. فقضية انتحار الطفلة وظهور هذا المنتج تعود اساسا ـ من وجهة نظري ـ الى انهيار القيم الاخلاقية وغياب القيم الروحانية، لكن هل يمكن القول ان انهيار القيم مردود الى الحضارة الحديثة بما تقدمه من افلام ولعب اطفال تدعو الى العنف تارة والفجور تارة اخرى؟ مما لا شك فيه ان التقدم الحضاري السريع ضرب بالكثير من القيم الاجتماعية عرض الحائط، فالجميع حتى في المجتمع الغربي نفسه يترحم على الماضي، ايام زمان، ولكن بالطبع لا يمكننا تعليق كل فشل على التقدم الحضاري، حيث قدمت الحضارة الحديثة الكثير من الانجازات التي لا يمكن اغفالها، ولعل ابرزها تحويل العالم الى قرية صغيرة. غير اننا نلقي بالمسؤولية على علماء الاجتماع وعلماء الدين على السواء فعلماء الاجتماع عليهم ان يبلوروا النظريات التي تتماشى مع هذا الزخم الهائل من الحريات، اما علماء الدين فمطالبون بالعمل الى اعادة الناس الى تعاليم دينهم حتى لا نرى اطفال المدارس يشربون المياه بالنيكوتين، ويتذوقون حلاوة مصاصة التبغ بطعم الفواكه.