غياب مصر عن دورها التاريخي

استعادتها لدورها تبدأ بـ «خصخصة» الثقافة

TT

وضع توماس فريدمان إصبعه على جوهر المشكلة التي تعاني منها مصر الآن، انهيار دورها الثقافي وغيابها عن القيام بدورها التاريخي في قيادة الأمة العربية: «نحتاج مصر كي تلعب الدور الذي لعبته في السياسة العربية في بدايات القرن العشرين. إنه الدور الذي أناطه التاريخ بها، والذي لا بديل لها عنه، وهو قيادة العالمين العربي والإسلامي نحو الحداثة.. مصر تحتل موقع ثقل العالم العربي، ولديها أكبر طبقة متوسطة، وأفضل جمهور متعلم بأحسن الطاقات. ولذا يمكن القول إن مصر كان عليها أن تصبح تايوان البحر المتوسط، لكنها أصبحت، بدلا من ذلك، بلداً يعاني من الركود، إلى النقطة التي سمحت لعدة بلدان عربية صغيرة أخرى أن تتجاوزها.. فمصر التي أنجبت في القرن الماضي مثقفين كباراً مثل نجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم، لم تستطع أن تنجب بدائل عنهم. إن المناخ الثقافي في مصر يعيش حالة من الجمود.. لم تستطع أن تجسد على الصعيد العملي بديلاً إسلامياً تقدمياً وديمقراطياً قادراً على مواجهة طروحات بن لادن المتطرفة». «الشرق الأوسط» 6/6/2002.

الذين يرفضون قبول هذا النقد الموضوعي، يضعون رؤوسهم في الرمال، ويخفون عيوبنا فيساعدون بلادنا على الاستمرار في طريق الضعف والتراجع الحضاري. ليس حباً لمصر أن نتستر على مآسينا التي تنخر في عظامنا، وإنما الحب الحقيقي هو الذي يساعد على الخروج من الأزمة وتحقيق النجاح. وإذا نظرنا إلى الخريطة الثقافية للعالم العربي الآن ونحن في بداية الألف الثالثة للتاريخ الميلادي، لوجدنا صورة غير مشجعة على الإطلاق: انهيار السينما بحيث لم يبق منها سوى المهرجانات، ضعف المسرح الذي كان معملاً لتفريخ الممثلين والمخرجين وكتاب السيناريو، تراجع فنون الموسيقى، عزوف الكتّاب عن الرواية والمسرحية والبحث بحيث أصبح الشعر يمثل الغالبية العظمى من إنتاجنا الأدبي. وفي وقت صارت فيه العلوم والتكنولوجيا هي مفتاح التقدم في المرحلة القادمة للحضارة البشرية، ليس لدينا بحوث أو دراسات علمية تذكر سواء في مجالات العلوم الإنسانية أو الطبيعية.

من المؤكد أن مصر مسؤولة عما وصلت إليه أمتنا العربية من التخلف الفكري والثقافي، ولا شك أن سيطرة الأجهزة الحكومية على أنشطة التعليم الجامعي والثقافة، هي السبب الرئيسي وراء تخلف الفكر في بلادنا. فمصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تزال الأجهزة الثقافية فيها تدار بواسطة وزارة حكومية: نشر الكتب والمجلات الثقافية، المكتبات، الفرق المسرحية ودور العرض المسرحي والسينمائي، المهرجانات الفنية، قصور الثقافة في الأقاليم، المتاحف الأثرية والمعارض الفنية، المواقع الأثرية والبحث عن الآثار وصيانتها. وهذه الأجهزة في البلدان الأخرى موزعة بين شركات القطاع الخاص، مثل النشر والمسرح والسينما والمعارض والمهرجانات الفنية، أو الهيئات الاكاديمية المتخصصة، بالنسبة للمتاحف والمكتبات وأعمال البحث والصيانة الأثرية. والحل الوحيد هو خصخصة الثقافة، واستقلال الجامعات والمتاحف والمكتبات. من الضروري خصخصة هيئة الكتاب والفرق المسرحية وصالات العرض السينمائي والمعارض الفنية، ويكون تدخل الحكومة عن طريق منح معونات لهذه الأجهزة.