أميركا وحقوق الإنسان

TT

البيان الذي أعدته الولايات المتحدة عن حقوق الإنسان على لسان وزير خارجيتها كولن باول، كان مضمونه أن تسع عشرة دولة متهمة باستغلال أربعة ملايين إنسان من الرجال والنساء والأطفال في تجارة البشر وإجبارهم على ممارسة الأعمال الفاحشة أو العمل في ظروف تشبه الرق.

ولكن ماذا عن ضياع حقوق دولة بأكملها لأكثر من خمسين عاما، وهل من حقوق الإنسان الوقوف إلى جانب الغاصب والمعتدي قلبا وقالبا والدفاع عنه بكل قوة وبكل الوسائل وعلى جميع الأصعدة والمحافل والمنتديات العالمية، واستخدامها (أميركا) حق النقض (الفيتو)، ضد كل قرار ليس في صالح إسرائيل، إلى أن جاء مؤتمر دوربان (المؤتمر الثالث لمناهضة العنصرية) الذي انعقد في جنوب أفريقيا ورفضت فيه الولايات المتحدة إدانة الصهيونية الإسرائيلية واعتبارها شكلا من أشكال العنصرية، ليعطي الخلاف بعدا دوليا، وليساعد على خلق ضجة إعلامية، حتى ولدت جبهة عالمية تؤيد الفلسطينيين ضد إسرائيل تدينها بالممارسة العنصرية.

ولم يقتصر ذلك على العالم، بل امتد إلى الإسرائيليين أنفسهم، فيوسي سريد أمين عام حزب «ميرتس» الإسرائيلي يقول «المنطقة بحاجة إلى مسار سلام يفرض على شارون وعرفات معا»، ويتساءل البروفيسور ستيفن روز، مدير برنامج أبحاث الدماغ والسلوك في الجامعة البريطانية المفتوحة، قائلا «لماذا أستطيع أنا اليهودي أن أعود إلى إسرائيل بينما الفلسطيني الذي ولد آباؤه وأجداده هناك عاجز عن ذلك»؟ (من مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط»، في 6/7).

وقد جربت إسرائيل منذ حرب 1948، جميع أنواع الحدود الآمنة، سواء كانت الصناعية منها أو البشرية أو السياسية وغيرها ولم تفلح، فخط بارليف المعجزة الذي عبره المصريون في فترة قياسية في حرب 1973، غير عبوره صورة الجيش الذي لا يقهر، وتفكيك وانهيار وزوال الجيش الجنوبي اللبناني الذي كان يحمي شمال إسرائيل على يد المقاومة اللبنانية وحزب الله، وأخيرا وليس آخرا جربت إسرائيل ما خلفته عملية مجدو في رام الله المروعة التي اخترقت الخطوط الآمنة والخط الأخضر. وسوف تخترق المقاومة جميع الخطوط الآمنة الأخرى التي تفكر فيها إسرائيل، ويفتقد الجميع الإسرائيليون والفلسطينيون إلى الأمن، وتتحمل المسؤولية أميركا والعالم أجمع ضياع حقوق الشعب الفلسطيني وفقدان الأمن للإسرائيليين. وكما تدخلت أميركا في تخليص الكويت من الغزو العراقي والوقوف إلى جانب التيموريين في استقلالهم عن إندونيسيا، وفي حل مشاكل عدة في العالم، عليها الإسراع بتطبيع أقوالها فعليا على الأرض وإقامة دولتين مستقلتين، وإرسال قوات دولية تفصل بين الطرفين مع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وإزاحة المستوطنات من الضفة الغربية، لا مساومتها بعودة اللاجئين كما يدور في أروقة السياسة الأميركية ودهاليزها.