العمليات الاستشهادية وغياب الاستراتيجية

المنظمات «الجهادية» تقاتل ولا تجيد اللعبة السياسية

TT

أمتعتني كثيراً طريقة كريم بقرادوني المباشرة في تقييم العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الفلسطينيون ضد «الأبرياء الاسرائيليين!» وذلك في مقاله المنشور يوم السبت 22/6/2002 تحت عنوان «العمليات الاستشهادية في مواجهة استراتيجية الضربات الوقائية»، هذه المباشرة التي أصبحت للأسف مفقودة في آراء من يتناولون هذا الموضوع، بحيث غدا مرعبا ان تمتدح هكذا عمليات، أو ان تلمح الى قناعتك بأنها هي الطريق المثلى للوصول الى الدولة الفلسطينية ـ كما فعل كريم بقرادوني بشجاعة ـ خاصة في ظل غياب توازن في القوى بين الطرفين المتصارعين، ويبدو ان من يتهمون المقاومين بقتل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، قد سمعوا بأن قادة الحلفاء كانوا يحذرون المدنيين في المدن الالمانية قبل ايام من قنبلتها، وان الالمان كانوا يقومون بالشيء نفسه قبل ارسال قاذفاتهم الى سموات لندن وباريس وبروكسل، فهل من واجب منفذ العملية الاستشهادية مثلا ان يطلب من الاطفال والنساء والشيوخ وطلاب المدارس النزول من الحافلة قبل تفجيرها؟ ولكن مع هذا، فلنا كلام نوجهه الى جانبي الصراع، مع ملاحظة اننا بالتأكيد لسنا طرفاً محايداً فيه:

ـ على المنظمات المسؤولة عن هكذا عمليات ان تقول للعالم ماذا تريد من هذه العمليات بلسان طلق ولغة واضحة، بل وبجميع اللغات، ولا يكفي تكرار مقولة اشتراط زوال الاحتلال، لماذا لا تجيد هذه المنظمات اللعبة السياسية بينما هي تقاتل؟ ولا عيب في ذلك، وهذا يدعونا بالتالي الى التساؤل: لماذا لا تربط هذه العمليات بمشروع مفصل يهدف في النهاية الى التوقف عنها في حالة قيام العدو باجراءات محددة، ضمن مهلة زمنية واضحة. المهم في هذا المشروع ان يكون متكاملاً وان يقدم الى الرأي العام العالمي بوضوح يؤدي الى تحييد المواقف الدولية المعارضة لهذا الشكل من أشكال المقاومة.

ـ الغباء الشاروني، الذي يعزف لحنه يومياً، يبدو انه عاجز ـ بل وربما مستفيد من هذه الحلقة المفرغة ـ عن تقديم رؤية سياسية تؤدي الى وقف اراقة الدماء بين الجانبين، فعندما لا يضيع حق الفلسطيني، لن يهدر دم الاسرائيلي، وبغير تحقيق هذه المعادلة لن يعرف الهدوء طريقه الى هذه المنطقة من العالم، واذا عذرنا شارون لغبائه السياسي، وشبقه العسكري، فكيف لنا ان نعذر مجتمعا يدعي الديمقراطية وتعدد الرأي، فلو كان كذلك حقاً، فإن عليه ان يتجاوز عتبة ـ بل قل عقبة ـ شارون لكي يصل بالجميع الى بر الامان، وذلك بإعلان العقلاء منهم ـ ان كانوا موجودين ـ بأن للفلسطينيين الحق في حياة آمنة، وحقوق سياسية معترف بها، تماما كما للاسرائيليين.

والى ان يتمكن الجانبان من الوصول الى حل يجلب الأمن والسلام الى المنطقة، وتوخيا للسلامة، وتفاديا للندامة، ونظراً لافتقاري الى شجاعة كريم بقرادوني، سوف ابقى اطلق على هذه العمليات اسم (العمليات الاستشحارية).