أميركا أقرب إلى العرب من غيرها

TT

رئيس تحرير جريدة «الشرق الأوسط» المحترم كان من المفروض ان يكون العرب من اقرب الشعوب الى الشعب الاميركي، فاميركا لم يكن لها تاريخ استعماري في المنطقة العربية، والتركيب السكاني المتعدد الاجناس والاديان في العالم العربي شبيه بالتركيب السكاني الاميركي، واميركا ساعدت الدول العربية وغيرها من دول العالم الثالث على استقلالها الذي تحقق بفضل المبادئ الدولية التي ارساها الرئيس الاميركي وودرو ولسن بعد الحرب العالمية الاولى، والتي اقرت بعد ذلك في ميثاق الامم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ومنها حق تقرير المصير.

وهذا وضع يختلف عن العلاقة بين العرب واوروبا التي تميزت بالصراعات الدموية منذ مطلع التاريخ، وآخرها الاستعمار الغربي الطويل للعرب. كان المفروض ان نقوي الروابط الاميركية العربية بعد الحرب العالمية الثانية واستقلال كل الدول العربية وتوسع المصالح الاقتصادية المشتركة بين العرب واميركا. الا ان انشاء دولة اسرائيل وتأييد اميركا لها وتعاطف الشعب الاميركي التلقائي مع حق اليهود في انشاء دولة لهم في جزء صغير من فلسطين لعوامل دينية وتاريخية وانسانية بسبب ما قاساه اليهود نتيجة الاضطهاد النازي المروع، وبسبب قوة الدعاية الصهيونية وحجة ان الفلسطينيين من العرب الذين لهم وطن شاسع وليسوا في حاجة الى هذا الجزء الصغير من فلسطين، قد اساء الى العلاقات بين العرب والاميركيين، وقد استغلت الحكومات الاميركية المتعاقبة هذا الوضع لفرض سيطرتها على المنطقة العربية والتدخل في شؤونها بعد ان تغيرت السياسة الاميركية واصبحت القوة العالمية الاولى ووجدت في دولة اسرائيل اداة لهذه السيطرة ووسيلة لاضعاف العرب عسكريا واقتصاديا وبث الفرقة بينهم واعاقة وحدتهم التي كانت امل العرب بعد استقلالهم. وقد ساهمت المصالح الاقتصادية والدعاية الصهيونية القوية ونفوذ الاقلية اليهودية في سلوك الادارات الاميركية المتعاقبة هذا المسلك الغريب في الدعم والتأييد اللامحدود لاسرائيل. وقد ادى ذلك الى رد فعل وغضب شعبي عربي ضد هذه السياسة الاميركية المحابية لاسرائيل وتدخلاتها في شؤون المنطقة الاقليمية والداخلية، وهذا دفع القوى الاسلامية المتطرفة التي جعلت من الارهاب وسيلة لصراعها السياسي مع الانظمة العربية، الى القاء اللوم لكل ما يجري في المنطقة على اميركا ومحاربتها بنفس الوسيلة وكان من حصيلة ذلك ما حدث يوم 11 سبتمبر 2001، في نيويورك وواشنطن من عمل ارهابي فظيع ضد الشعب الاميركي المسالم استنكرته شعوب العالم بأسره، ومن بينها الشعب العربي الذي لا يكن هذا البغض للشعب الاميركي للاسباب التي بينتها.

مما تقدم ارى انه على الحكومات العربية والادارة الاميركية ان تأخذ في الاعتبار العوامل الايجابية. في علاقات العرب والشعب الاميركي والعمل على تحسين العلاقات الرسمية وتنميتها بدلا من استغلال الظروف المأساوية لاحداث 11 سبتمبر وسيلة لتعميق العداء بين الشعب الاميركي والعرب واثارة نعرات دينية بين الغرب والمسلمين.