لماذا نلقي برداء الطائفية على ما يحدث في لبنان؟

TT

جريمة القتل التي حدثت في مكاتب صندوق التعاضد لمعلمي المدارس الخاصة نهار الأربعاء 31/7/2002، لا يمكن أن توصف إلا بالكارثة أو المأساة. ولأنها غريبة بطابعها عن ما يقع من جرائم في لبنان، لا يمكن تصنيفها إلا في خانة الكوارث الاجتماعية، التي يقف خلفها العامل الاقتصادي والذي ينعكس على الوضع النفسي على نسبة عالية من اللبنانيين، وهذا ما تؤكده دراسات أطباء الأمراض العصبية والنفسية وتؤكده أيضاً النسبة العالية من اللبنانيين الذين يتعاطون مهدآت الأعصاب والمراجعات المتزايدة للعيادات العصبية والنفسية.

لا شك في أن الجريمة وطريقة تنفيذها ليس مما شهده المجتمع اللبناني إلا نادراً وفي حالات شاذة، قياسا بما يحدث في دول اوروبية او في الولايات المتحدة. من هنا من المستهجن أن نتعاطى وخصوصاً الإعلام مع هكذا حدث من زاوية طائفية صرف ونتغاضى عما أفرزته الحرب اللبنانية من نتائج وتداعياتها إن كان على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.

إن أول الأدلة عند وقوع الجريمة كان الحديث عن مشكلة مالية بين الجاني وبين صندوق التعاضد لمعلمي المدارس الخاصة وما لبث أن انبرى البعض إلى تصنيف الضحايا تصنيفاً طائفياً . ولماذا كان هذا العدد المنتمي إلى طائفة من لون معين تستأثر بهذه النسبة من الوظائف في مؤسسة ينتمي أعضاؤها إلى كل لبنان ويخدمون المنتسبين إلى هذا الصندوق من كل أنحاء لبنان، وما وجود القاتل من الجنوب وأب لخمسة أولاد، سوى دليل على ان الدوافع لم تكن سوى ما أشرنا إليه. ولو قلبنا الصورة وكان القاتل من طائفة غير التي ينتمي إليها ويخضع لنفس الضغوط التي يعاني منها والضحايا من غير الطائفة التي ينتمون إليها فهل يعقل أيضاً ان نقوم بتغييب الأسباب الأساسية وننتقل إلى الاستنتاجات السطحية نفسها ونحاول أن نلَّبس الحادثة القميص الطائفية.

إن هذه الحادثة تؤكد مسؤولية من يتعاطون الشأن العام في لبنان وبمؤازرة من الهيئات الطبية والمؤسسات الاجتماعية، ودورها في أن تضع على سلم أولوياتها معالجة إفرازات الحرب ومحاولة التخفيف من ضغوط الأزمة الاقتصادية التي تهد كاهل اللبنانيين وبالأخص ذوي الدخل المحدود لأن جذور هكذا جرائم لا يمكن تبسيطها بإلقاء الطابع المذهبي عليها. على المواطنين اللبنانيين أن لا يسمحوا لأنفسهم بأن يكونوا بضاعة في دكاكين الطائفية ولا سلعة بأيدي مسوقيها من بعض السياسيين وبعض رجال الدين أو بأيدي من يريدون الاصطياد في الماء العكر . فالجاني هو من أبناء جنوب لبنان و أبناء الجنوب يعرفون أكثر من غيرهم من أوقع البلاد في حرب دامت أكثر من 15 عاماً ويدركون أيضاً من أوقع البلاد في أزمته الاقتصادية ودمر اقتصاد الجنوب طيلة الحرب ودفع المواطن إلى الرزوح تحت هذه الضائقة الاقتصادية والأزمة الاجتماعية بالطبع ليسوا هم أصدقاء الجاني ولا زملاء ولا ضحاياه.