حلم أضاعته أحداث سبتمبر

TT

في دراستي الابتدائية كانت افضل اوقاتي التي أجد فيها متعة جميلة هي درس العلوم ومتعتي كانت مع العلوم في التجربة وانتظار النتيجة. كان مدرسنا الشاب هو سبب حبي لتلك المادة. كان يخصص عشر دقائق قبل نهاية كل درس ويتحدث عن الجديد في العلوم. كان مدرسا مختلفا ولكنه كان محبوبا من جميع الطلاب. وذات مرة حدثنا عن أميركا وكانت الأولى التي اسمع فيها شيئا عن تلك البلاد. اما في حصة الرياضة فقد كان الطلاب يحضرون بالملابس الرياضية الا أنا فلم اكن استطيع اللعب معهم بسبب إعاقتي. وكانت اصعب الاوقات هي فترة الطابور الصباحي فقد كان جميع زملائي بالملابس الرياضية وكنت انا ألبس ثوبي ويسهل تمييزي بين زملائي، وذات يوم كسرت قدم أحد زملائي ولم يأت بالملابس الرياضية، وصرنا اثنين. وجلسنا نتبادل الحديث الذي تشعب حتى وصلنا الى اميركا، عندها قال لي زميلي جملة وحيدة وقصيرة جدا ولكنها مازالت تتردد في ذهني إلى الآن ولن أنساها ابدا: لن تشفى يا محمد إلا إذا سافرت إلى أميركا... أرعبتني تلك الجملة كثيرا. كنت انهض من الفراش كل يوم وانظر إلى رجلي لعلها شفيت فقد كنت أتخيل أن إعاقتي مرض عابر كالزكام، ولكن صديقي نسف كل ذلك وأدخلني في خوف وحيرة. كيف أسافر إلى مكان لا وجود له إلا في خيالي وكيف أسافر وأنا صغير؟ هل يذهب معي والدي ولكنه يعمل وعائلتي كبيرة ويجب أن لا ينقطع عن العمل. بدأت الأفكار والحلول تتوارد في ذهني ولم استطع أن افهم ما يقوله اي مدرس ذلك النهار، بل لا أعرف كيف وصلت إلى البيت. ولكني حينما وصلت سألت والدتي مباشرة عن أميركا... وقالت لي إنها لا تعرف عن اميركا إلا أن بيننا وبينها بحرا كبيرا! انتظرت إلى أن جاء والدي من العمل وسألته، قال لي انه لا يعرف الكثير ولكنه يعرف وسيلة سوف تساعدني. فرحت كثيرا وسألته بلهفة ما هي؟ قال سوف أحضرها لك في المساء، انتظرت كثيرا إلى أن جاء المساء، وفي الوقت المحدد احضر والدي معه جريدة محلية وخبزا للعشاء. أعطاني الجريدة وأعطى والدتي الخبز، وقال اميركا في الداخل ابحث عنها، وفي تلك اللحظة لم أكن بحاجة إلى أن يقول لي ذلك فقد بدأت رحلتي تلك الليلة عن اميركا التي سوف أشفى على أرضها إن شاء الله. وأثناء قراءتي الجريدة بصعوبة قال والدي إذا أردت السفر إلى أي مكان في العالم ولم تستطع يجب عليك أن تقرأ ومنذ ذلك اليوم أصبحت القراءة هي جواز سفري إلى العالم. ولكنني كنت أريد أن أسافر إلى اميركا فقط لهذا كنت لا أقرأ إلا ما يتعلق باميركا. وعرفت أنها بلد الأحلام التي يسافر إليها الجميع.

وفي المراحل الاخيرة من سنوات طفولتي كان الحلم قد كبر وصار المصير الوحيد. وبدأت ابحث عن مصادر غير الصحف اليومية فقرأت الكثير من الكتب عن اميركا، وازدادت قناعتي كلما رأيت خبراً في صحيفة يعلن وصول شخص حقق حلمه وعاد من اميركا وهو يحمل شهادة الدكتوراه في تخصصات لم اسمع بها من قبل.

كل هذه التراكمات على مدار السنين هي ما جعلتني أقرر أن تكون رحلتي لتحقيق حلم طفولتي بعد أن انهي دراستي الجامعية وبعد أن بدأت الدراسة بدأ العد التنازلي بيني وبين اميركا إلى أن توقف في لحظة واحدة... نعم توقف كل شيء حلمت به وأمضيت طفولتي ابحث عنه وكل شيء آمنت به عن اميركا حينما قالوا إن الإسلام هو الخطر القادم إلى اميركا. كيف يقولون هذا من داخل اميركا؟ أليس الأميركيون هم من يكرهون الشر ويحبون الخير وهذا هو الإسلام؟ الا يربون أولادهم على احترام الكبير والرحمة بالصغير، وهذا هو الإسلام؟

اليسوا هم من يحبون حيواناتهم ويعتبرونها روحا يجب ان تصان وتحترم، وهذا أيضا هو الإسلام؟

أليس الأميركيون أكثر الأمم حبا للعلم والعمل وهذا هو الإسلام؟ أليس الأميركيون هم من نجدهم يبتسمون للجميع وهذا هو الإسلام؟ والاسلام هو الشامل لكل فعل وقول جميل، فاذا كان الاميركيون بعد كل ذلك يستطيعون ان يقولوا ان الاسلام هو دين الارهاب والخطر، فهل عرفوا الاسلام فعلا على حقيقته؟ ام ان من يصدر احكاما كهذه انما يتحدث عن نفسه فقط وليس نيابة عن الشعب الاميركي؟

تشغلني هذه الاسئلة كل يوم وانتظر الاجابة عليها، فربما تعيد لي تلك الاجابة حبي لاميركا واستعيد معه الامل في تحقيق حلم طفولتي.