موسم صيد القراميط وصنارة السفير

TT

في الصغر أيام المدرسة كنت اعتبر الجالسين على شاطئ الترعة والنيل ملقين بالصنارة لاصطياد السمك بأنهم أناس أشرار رغم أنني كنت آكله مقليا ومشويا ومن كل نوع وصنف. ووصلت تبرئة الذات إلى عدم اتهام أمي التي قامت بقلي وشوي السمك بأنها شريرة أيضا ومتضامنة مع هؤلاء القتلة الجالسين علي الشاطئ، وكذلك أبى الذي قام بدور الوسيط بين أشرار الترعة واشرار المائدة بشرائه من السوق.. يا له من مسلسل طويل من الأشرار لم يكن يخطر على بال تلميذ المرحلة الابتدائية آنذاك.

لم اسأل نفسي وقتذاك هل السمك ساذج وعبيط إلى هذا الحد؟ وهو ما ينطبق على البقر والجاموس والماعز والخرفان، رغم أني أحب الكباب وافضله على السمك، ولاعادة التوازن للأخلاق، كنت القي بفتات الخبز إلى الأسماك لتأتي وتلتهمه وتذهب لحالها متمنيا أن تكون شبعت، وألا تتجه ناحية الصنارات المنتشرة بطول الترعة والنهر.

لاحت تلك الذكريات البعيدة في عقلي بعد قراءة ما كتبه السفير الأميركي مستهجنا كتابات المثقفين المصرييــن عن مؤامرة أميركــا على تفاحتها الكبيرة ـ مدينه نيويورك وناصحا إياهم بالتزام الامانه الثقافية والمعلوماتية والإعلامية.

بعد خمسين عاما من زمن المرحلة الابتدائية لم آخذ من السفير الأميركي نفس الموقف من الصيادين رغم انه يجلس أيضا قريبا من شاطئ النيل في «جاردن سيتي»، وربما تكون سنارته أطول وذات كفاءة تتناسب وتكنولوجيا العصر، وهذا ما يبدو قد حدث، فبمجرد أن القى السيد السفير بصنارته أقصد مقالته حتى هاجت وماجت القراميط والبلطي وضربت الزعانف الثقافية الماء يمينا ويسارا واتهموا الصياد الأميركي وصنارته ألامبريالية بأنه صياد غير مرغوب فيه وعلى أميركا أن تسحبه.

وكما أن القط يحب خنَّاقه اتضح لي أن السمك أيضا يحب صياديه، بل ويختار آكليه أيضا، وربما كل سمكة تفضل الطريقة التي تقدم بها على المائدة، وهذا هو السر في أن سمك البوري يفضل مشويا والبلطي مقليا والبياض في صوان بالطحينة وهي أسماك متخصصة في أن تصطادها الصنارات، وهناك أنواع أخرى تفضل الطريقة الاصولية واخرى الوصفة القومية وهناك سمك لا يؤمن بالقضاء والقدر ويفضل أن يقدم بالتوابل الماركسية، كلها تفضل المقالات كوسيلة صيد قاسمها المشترك انها جميعا ستؤكل على مائدة الحرب على الإرهاب والكذب حتى يتحلى باقي السمك بالأمانة نقلا عن القرموط الكبير في تورا بورا لانه اعترف علنا وبارك جريمة نيويورك.

لقد عرفت بعد خمسين عاما بأن السمك الذي يتم اصطياده هو السمك الشرير الذي يستحق الأكل والمصمصة لانه يدافع عن الشر في البر والبحر ولماذا أن السمك الذي يتم اصطياده هو فقط المتهم بالزفاره إذا ما خرج من الماء أي فقط بعد اصطياده بمقالة أو صنارة.