أسباب عديدة تعيق مبادرة واشنطن لإصلاح العالم العربي ودمقرطته

TT

صدور المبادرة الأميركية عن طريق كولن باول وزير الخارجية الأميركية قد يكون له نوع من المصداقية. فالرجل عرفت عنه مواقف وتصريحات تتسم بالاعتدال والايجابية رغم تصرفات الرئيس جورج بوش المتميزة بالغضب والثأر لحوادث 11 سبتمبر في نيويورك واتباعه لسياسة واعمال انتقامية اعقبت ذلك وما زالت تقوم بها الولايات المتحدة ضد العرب والمسلمين دون تمييز، واستغلت من طرف الجناح اليميني في الحزب الجمهوري الاميركي واللوبي الصهيوني على أوسع نطاق واطلاق يد اسرائيل في قتل الفلسطينيين واذلال العرب بقدر المستطاع.

والاصلاحات السياسية والاقتصادية والتعليمية التي تدعو لها المبادرة من المبادئ المعلنة في سياسة اميركا الخارجية، وكثيرا ما تشترطها في تقديم مساعداتها وتعاملها مع باقي الدول في المجالات الاقتصادية والتجارية، الا انها لم تكن تطبقها في العالم العربي لأنها تعي جيدا ان الخلاف حول سياساتها في المنطقة هو مع الشعوب وليس مع الحكومات التي يسهل الضغط عليها بطرق شتى، ولهذا دعمت علاقاتها مع الحكومات وغضت الطرف عن غياب الحريات وحقوق الانسان والفساد المالي والاقتصادي وانتشار الفقر والجهل نتيجة لذلك في ارجاء العالم العربي وكانت تعرف ان هذه السياسة هي سبب عدم الاستقرار وانتشار اعمال العنف والارهاب في الدول العربية. ولكن اشتداد النزعات العدوانية بين الاجيال الشابة ضد اسرائيل والسياسات الاميركية والغربية في المنطقة العربية وامتداد الغضب الشعبي العربي خارج الحدود ربما كان العامل القوي في تغيير السياسة الاميركية. وهذه المبادرة الجديدة قد تكون بداية لسياسة جديدة.

ان اشارة السيد باول الى الاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العربية السيئة ليست بجديدة فقد حرصت التقارير الدولية ومنها تقارير برنامج الأمم المتحدة الانمائي للتنمية طوال العقود الماضية وتقاريره حول التنمية الانسانية خلال العقد الماضي واخيرا تقريره حول التنمية الانسانية العربية في هذه السنة على استعراض هذه الاوضاع الاقتصادية المتردية واقتراح الحلول لها، الا انني واثق ان معظم المسؤولين المختصين العرب لم يدرسوه وبعضهم لم يقرأه أو لم يسمع عنه بل حتى الشعوب في الدول المتقدمة صناعيا لم تعرف عنه شيئا بسبب تركيز الاعلام الغربي على الارهاب العربي والاسلامي والمال العربي الذي يغذيه والسياسات المعادية للغرب في بلاد العرب والاسلام، دون التعرض لأسبابها الحقيقية، فلم يكن احد يعرف في الغرب ان الناتج القومي الاجمالي للبلدان العربية التي يزيد عدد سكانها عن 280 مليون نسمة لا يزيد عن 531 مليار دولار بما في ذلك دخلهم من البترول والغاز الذي ينال حسد وحقد العالم عليهم، وهو مبلغ اقل من الناتج المحلي الاجمالي لأفقر دولة (بالنسبة لمعدل دخل الفرد فيها) في الاتحاد الأوروبي وهي أسبانيا.

ان اعلان مبادرة الاصلاح الأميركية للعالم العربي لن تنهي النزعات العدوانية ضد اميركا والغرب في العالم العربي ما دامت اسرائيل تقتل الفلسطينيين وتذل العرب كل يوم وما دام الشعب العراقي يعيش تحت التهديد والحصار.

أن اميركا لن تستطيع كسب صداقة العالم العربي الا اذا اتبعت سياسة عادلة نحو القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين وانهاء الاحتلال الاسرائيلي الذي يسبب عدم استقرار السلام والأمن في المنطقة العربية اننا كلنا أمل في ان تكون المبادرة الاميركية صادقة وليست سرابا يغطي اعلان الحرب ضد الشعب العراقي وجيشه وخبرائه واستغلال امكانياته تحت شعار القضاء على حكم صدام حسين.