السودان يضبط أعصابه تجاه إريتريا

TT

من المعروف ان توتر العلاقات وتدهورها بين دولتين جارتين، بسبب ايواء وتسليح احداهما لمعارضة الدولة الأخرى، من الأمور الشائعة في العلاقات الدولية بين سائر دول العالم، غير ان المتابع المحايد لمسار العلاقات السودانية ـ الاريترية في فترة العشر سنوات الماضية، اي منذ استقلال اريتريا ووصول نظام افورقي الى السلطة. يجد ان السودان قد شذ عن هذه القاعدة. فبرغم ان اريتريا تدعم المعارضة السودانية المسلحة وتوفر لها معسكرات التدريب وتهيئ لها اراضيها كقاعدة انطلاق لعملياتها العسكرية التي تستهدف زعزعة الاستقرار في البلاد، إلا ان الحكومة السودانية كانت دائما حريصة على السعي للمحافظة على علاقات حسن الجوار معها والابتعاد عن كل ما من شأنه ان يؤدي الى المزيد من التدهور فيها، وبالتالي لم تكن هي الجهة المبادرة بقطع العلاقات الدبلوماسية، أو سعت في يوم من الايام لرد الاستفزاز بالمثل، وبدلا من ذلك، ظلت الحكومة السودانية طيلة الفترة الماضية وبروح تسامحية عالية، تبحث عن صيغة معادلة مقبولة لتعيد بها علاقاتها مع اريتريا الى مسارها الطبيعي، فكان قبولها بالوساطة القطرية التي اجهضت في المهد بسبب تعنت النظام الاريتري واستراتيجياته القائمة على الهيمنة وزعزعة الاستقرار في المنطقة.

ويقدر للحكومة السودانية كذلك، انها وبرغم الاساءات والاهانات المتكررة التي لحقت بالسودان، جراء المسلك الاريتري العدائي، حافظت على رباطة جأش وضبط نفس عاليين، فلم تتعامل مثلا مع النظام الاريتري بمبدأ سياسة المعاملة بالمثل، بحشد وتسليح المعارضة الاريترية وما أكثرها، ايمانا منها بنهج عدم التدخل في شؤون الآخرين، وانطلاقا من حرصها في المحافظة على اخلاقيات التعامل السوداني مع الدول المجاورة، حيث لم يحدث ان دخل السودان ومنذ نشأته في حرب عسكرية مع اي من جيرانه العشرة. واستنادا على هذا الارث الحضاري المتقدم، بذلت الحكومة السودانية جهودا سياسية ودبلوماسية كبيرة لاحتواء التوتر، لكن النظام الاريتري ظل يقابل المرونة السودانية وترفعها عن الانزلاق في مناوشات عسكرية معه، بمزيد من التعنت والعنجهية والتصعيد، حتى وصل به الامر الى طرد البعثة الدبلوماسية السودانية من اسمرا، وتسليم مقر السفارة السودانية الى المعارضة، في سابقة لم تشهدها الاعراف الدولية المنظمة للعلائق الدبلوماسية بين دول العالم، فضلا عن تقديمه للاسناد المباشر لعمليات المعارضة العسكرية في شرق السودان، ومع تصاعد وتيرة العداء الاريتري نحو السودان واصرار النظام على التدخل في شؤونه لم يتبق للسودانيين غير ان يقولوا له بأن الشعب السوداني ليس في حاجة لمن يجلب لهم الديمقراطية من الخارج! ولا يقبل بالتالي بالحكومات المستوردة أو المصدرة من المنافي!