هل تأتي الجولة القادمة في ماشاكوس بالسلام؟

TT

مع اقتراب موعد انطلاق جولة مفاوضات السلام السودانية في كينيا، والتي وصفت من قبل مصادر عدة بالجولة الحاسمة، ومع ازدياد زخم الاهتمام الدولي والاقليمي بسلام السودان والتفاؤل الايجابي الذي يسود كافة الاوساط الرسمية والشعبية فيه، وتوافد الاشقاء والاصدقاء على الخرطوم من كل صوب وحدب، حاملين معهم وعودا بالمساهمة في اعمار ما دمرته الحرب في الجنوب، واتساقا مع دعوات أهلنا الطيبين بأن تتوج هذه الجهود بالنجاح والتوفيق، وتأكيدا لرغبة السودانيين على بذل كافة الجهود الممكنة، وصولا للغايات السامية التي من أجلها يجلس الأخوة الفرقاء على طاولة ماشاكوس التفاوضية، سأحاول القاء الضوء على بعض الملاحظات التي سيؤدي عدم التفاهم بشأنها الى نسف الجهود المبذولة، وهي بلا شك نقاط حساسة، تحتاج الى عقلية تفاوضية عميقة الوطنية، تعمل لتغليب المصالح العليا للبلاد، على المكاسب والنزعات الشخصية الضيقة، خاصة في ما يتعلق بمسألة المناطق التي اصطلح على تسميتها بالمناطق المهمشة. والملاحظات هي:

حيث ان بروتوكول ماشاكوس الاطاري الموقع في يوليو (تموز) الماضي يختص بالنظر في مشكلة الجنوب السوداني فقط، فعليه، تنتظر غالبية السودانيين ان تكف الحركة الشعبية عن المطالبة بضم مناطق جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق والأنقسنا لحدود الجنوب، حيث لا يمكن ان تقبل الحكومة أو أي حكومة سودانية أخرى بمثل هذا الطرح، فهذه المناطق خارج اطار حدود الجنوب الذي تركه المستعمر الانجليزي، ولا يعقل بالتالي ان تنسف جهود السلام بسبب تمسك الحركة بمثل هذا الطرح ارضاء لنزعات ضيقة لعدد من قياديي ومقاتلي الجيش الشعبي المتحدرين من تلك المناطق، واذا كانت هناك مشاكل تنموية أو اجتماعية في هذه المناطق، فيمكن مناقشتها وتلبيتها بعد توقيع اتفاق السلام الشامل.

أما النقطة الثانية فتتعلق بالنزاع الدائر حول تطبيق الشريعة الاسلامية في الخرطوم أو علمنتها، وبما ان ذات الاتفاقية الاطارية تنص على تطبيق الاحكام الاسلامية في الشمال، وحيث ان الخرطوم جزء اصيل من المنطقة المعروفة جغرافياً بـ«الشمال»، فمن حق الحكومة التمسك بتطبيق الشريعة فيها، غير انه وفي حال اصرار الحركة على التمسك بعلمنة الخرطوم على اعتبار انها البوتقة القومية التي ستنصهر فيها كافة الثقافات السودانية، وحتى لا تروح الجهود السلمية المبذولة ادراج الرياح، فلا بأس ان تدرس الحكومة امكانية تقديم بعض المرونة في هذا الاتجاه مع الاحتفاظ بحق وضع بعض الضوابط التي تحفظ للخرطوم هيبتها الاسلامية، كتلك المعمول بها في كثير من الدول العربية، التي تحتضن اقليات غير اسلامية. وفي تصوري انه لا خوف على القيم الاسلامية المتجذرة في المجتمع الخرطومي ذي الغالبية المسلمة، حتى في حال حسمت هذه القضية في اتجاه العلمنة، فالإيمان الديني الراسخ لدى الغالبية المسلمة من سكان الخرطوم سوف يكون الحصن الواقي للقيم والاخلاق الاسلامية فيها، وستبقى الخرطوم كعهدها منارة من منارات الاسلام في العالم.