ماذا يريد أحمد ابن باز أن يقول؟

TT

منذ فترة فتحت «الشرق الأوسط» نافذة اطل منها وجه يحمل اسما عزيزا وغاليا علينا جميعا (سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ) ذلك العالِم الرباني، الذي رحل والكل يلهج لله جل وعلا ان يسكنه فسيح جناته، ويجزيه خير الجزاء على ما قدم للمسلمين في مشارق الارض ومغاربها.

لكن لي معه هذه الوقفات، اتمنى ان تجد منه صدرا رحبا ـ كوالده رحمه الله ـ وحتى لا يظن انني وضعته في قفص الاتهام الذي كتب عنه.

أولا: في مقالك الخاص بمكبرات الصوت وقعت في خطأين اثنين، اولهما: ذكرت ان المكبرات الخارجية في الحرمين الشريفين تستخدم للأذان فقط ولا تذاع عبرهما الصلاة. ثم كررت هذا القول في نفس المقال بأن هذا هو الذي عليه العمل في الحرمين الشريفين. وهذا غريب حقا!! فالواقع المشاهد الذي يعلمه الجميع ان المكبرات الخارجية للحرمين الشريفين تبقى مفتوحة حتى في أوقات الصلوات، ومعرفة ذلك لا تحتاج لعناء كبير، والكل يلاحظ ذلك ويسمعه. فمن الذي اخبرك انها مغلقة وقت الصلاة؟! انني حاليا إمام لمسجد مجاور لمسجد قباء ويبعد ما لا يقل عن خمسة كيلومترات عن الحرم النبوي الشريف وفي كثير من الاحيان اعرف ماذا قرأ الامام في الحرم لوصول الصوت عبر المكبرات.

الخطأ الثاني الذي وقعت فيه هو استشهادك على صحة ما ذهبت اليه بقول الله تعالى «وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون»، ومن يرجع للتفسير يعلم ان هذه الآية المقصود بها الانصات في الصلاة الجهرية خلف الامام كما ذكر ذلك عبد الله بن مسعود وابو هريرة وابو موسى الاشعري وحبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين.

ثانيا: كثير من الناس تشدهم قراءة القرآن، وتحرك في نفوسهم خيرا كامنا، كيف لا وهو كلام الله جل وعلا، فكم من رجل غافل لاهٍ غارق في ملذاته أنقذه الله بسورة من القرآن سمعها. وما قصة مالك بن دينار بخافية علينا. فالقول بأن مكبرات الصوت الخارجية مكروهة لا يتفق مع الواقع، وتنقصه المصداقية.

ثالثا: أما عن موقف وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف التي سبق ان بحثت الامر سابقا ورأت الاكتفاء بنقل الأذان فقط عبر المكبرات الخارجية، طبقت زمنا يسيرا ثم تقرر ان الفائدة في الغائها.

لا شك ان رفع درجة الصوت في مكبرات الصوت الخارجية الى حد غير معقول مؤذٍ حقا لبعض الناس، وينبغي لكل امام ان يتقي الله في هذا الجانب، ولا يعتقد ان صوته شجي لا بد للناس من سماعه، ولكن طلب قفلها تماما ليس مطلبا منطقيا، ففوائد بقائها ظاهرة للعيان.

رابعا: في مقالة «لنتوقف عن حديث جاهلية القرن العشرين» تنفي ان تكون حياة المسلمين اليوم مشابهة للمرحلة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة ان عدد المسلمين خمس سكان العالم، والحق ان مسلمي اليوم بين عابد للقبور والاضرحة، يطلب منها المدد، ويعتقد فيها ما لا يعتقده في الله جل وعلا، او مبتدع يُدخِلُ في الدين ما ليس منه، او رافضي معاد للسنة ومكفر لكثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، او مستهتر لا يردعه اسلامه عن أي محرم او شهوة، ولا تجد إلا من رحم الله من هو قابض على دينه حقا، فإذا لم تكن هذه جاهلية القرن العشرين حقا فما هي الجاهلية إذاً؟! خامسا: اما علماؤنا الاجلاء ومنهم سماحة الوالد ـ رحمه الله ـ فلم يستخدموا الألفاظ فقط لتحريم شيء، بل يحكمون على الشيء تحليلا وتحريما بعد عرضه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن قال انهم حرموا الاحتفال بكذا لكنهم اجازوا الاحتفاء به في نفس الوقت؟! ان هذا مسلك لا يسلكه علماؤنا الاجلاء، سواء من قضى نحبه منهم او من ينتظر، لكن هذا المسلك عادة ما يصاحب حديثي العهد بحياة الضياع.

سادسا: أما عن اطلاق اللحية وتقصير الثوب فهذا خلق المسلم، المتبع لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لكن الناس لما ابتعدوا عن هاتين السنتين اطلقوا اسم «الملتزم» على من تحلى بهما، مع ان الاصل ان كل مسلم ملتزم، فما ذنب الملتزم اذا اطلق الناس عليه اي صفة مع انه لم يدع لوصفه بها؟

سابعا: أما عن النقد فإن الانسان يحكم عليه بظاهره ما لم يبد للناس عكسه، فإذا اظهر ما في قلبه فقد اجاز لنا ان نحكم عليه من خلال ما يقول، او يكتب، وليس في هذا وضع له في قفص الاتهام.