مراجعة الخطط الأميركية لحرب العراق

TT

في بيان ألقاه الأسبوع الفائت الجنرال حلمي، رئيس هيئة الأركان التركية في مدينة دياربكر المجاورة للحدود مع العراق، أشار إلى أن القوات التركية ستستجيب لطلب الولايات المتحدة بعدم دخول قواتها الأراضي العراقية إلاّ في حالات الضرورة القصوى. ولكنه اختتم ذلك بجملة عميقة تدل على رؤية عسكرية بعيدة المدى لا يمكن أن تصدر إلاّ عن شخص يتمتع بحس عسكري صقلته سنوات الخدمة الطويلة في الجيش مضافا إليها حنكة سياسية نتيجة سيطرة الجيش على سياسة تركيا باعتبار أن الجيش هو حامي الدستور وله حق الإشراف على الحكومة المدنية التي تدير شؤون البلاد... تقول هذه الجملة: «إن الأميركيين الذين يطلبون منا الآن عدم دخول قواتنا شمال العراق سيعودون ويطلبون منا الدخول في وقت لاحق».

وعلى ضوء معطيات الحرب الدائرة في الجبهة الجنوبية للعراق حيث أجبرت المقاومة العراقية غير المتوقعة القوّات المتحالفة على إيقاف اندفاعها السريع نحو بغداد طلبا للمزيد من التعزيزات بالإضافة إلى خطتها لإكمال تدمير الآليات والمدفعية العراقية مستندين إلى تفوقهم الجوّي الذي لا يجد أية مجابهة من طيران العراق الذي لا ذكر له البتة في هذه الحرب. ونتيجة لهذا الوضع فإن أركان قيادة القوّات المشتركة ستزيد من ضغطها على القيادة السياسية في واشنطن لإعادة النظر في تفعيل الجبهة الشمالية على وجه السرعة وذلك بالاتفاق مع الأتراك والسماح لهم بالتقدم نحو العراق. وعندها ستحدث الكارثة، إذ سرعان ما ستعلن أنقرة ضمّ الأجزاء التي تدّعي أن لها حقوقا تاريخية فيها بما في ذلك مناطق آبار النفط في عين زالة التابعة لمحافظة نينوى وكذلك آبار النفط الواقعة في منطقة بابا كركر القريبة من كركوك. ومتى يتم رفع العلم التركي فوق هذه المناطق فسوف يشهد العالم انبثاق قبرص جديدة ولكن قبرص هذه يفيض فيها البترول الذي طالما سال له لعاب حكّام تركيا. ليس الاستنتاج الذي مرّ ذكره شيئا من الخيال بل هو واقع تفرضه التداعيات السياسية التي تتطور من يوم ليوم بل ومن ساعة لساعة. فالتقارير المتداولة حاليا تشير إلى بدء جولة جديدة من المفاوضات بين تركيا والولايات المتحدة بهدف الخروج من هذا الطريق المسدود وتحريك عملية التفاوض قبل أن تعلن الولايات المتحدة فشلها وتصدر الأوامر لقواتها في مياه خليج الأسكندرون للتوجه إلى منطقة الخليج العربي. وكما أن الرئيس صدّام حسين متمسك بكرسي الرئاسة المذهّب لآخر قطرة من دماء شعبه المغلوب على أمره، فإن الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش هو الآخر متمسك بالفوز بفترة رئاسية جديدة. ومالم يحقق النصر الساحق على صدّام فإن صناديق الاقتراع ستلحق به الهزيمة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام القادم تماما كما فعلت بوالده قبل عشرة أعوام.