الراشد وحدود الحرية وما يريده الشيخ الفرطوسي

TT

قرأت بإمعان مقالة عبد الرحمن الراشد، يوم الثلاثاء 2003/6/24، فأثارتني جاذبية الطرح، واستهوتني آلية الكلام السياسي عن التطورات الحالية التي تجري بسرعة ضوئية في العراق.

وفي الحديث عن الإباحية على هامش التشدد في الاجتهاد الديني عند البعض، ممن ينتمون إلى تيار (الحوزة الشريفة)، يعتقد الراشد أن القضية تتعلق بحدود الحرية في المجتمع العراقي، في حين أرى، ومن خلال تتبعي لاتجاهات المجتمع العراقي، وشدة النزوع نحو تأكيد أنا الذات والحزب والطائفة، أن المشكلة تتعلق بحدود السلطة الجديدة لا بحدود الحرية. كانت الأفلام الإباحية، والأخرى المذبوحة على مذهب (أبي فوق الشجرة)، تعرض في الصالات البغدادية أيام كانت المرجعية الدينية لها سطوتها والتأييد الشعبي الواسع والدعم اللا محدود من قبل الغالبية العظمى من العراقيين، ولم يكن آنذاك من يثير كل هذا الغبار على صالات السينما ودور العرض، والسبب في اعتقادي، هو أن المرجعية الدينية كان لها رأيها بالنظام العام وضرورة تجديد الحياة السياسية، عبر إحداث انقلاب حقيقي في النظام، ليتمكن العراقيون بعد ذلك من ترسيخ مباني الدولة العراقية الوطنية.

إن الجماعات الجديدة التي تدعي تمثيل المرجعية الشريفة تستهدف بسط سلطتها الدينية السياسية، بحجة تهذيب حدود الحرية، وإلا لو كانت حريصة على حدود الحرية لا حدود السلطة، لقدمت مشروعاً وطنياً لبناء الدولة لا مشروعاً عصبوياً بإغلاق دور السينما.

في العراق، الذي كان يحكمه صدام حسين، لم تكن هناك حرية ثقافية كما ذهب إلى ذلك الراشد، لكنه كان يمعن في إذلال الثقافة عبر مسلسل اعتقالاته الطويلة العريضة للمثقفين العراقيين ومن كل الاتجاهات، وفي إحكام سيطرته على أدوات النشر والطباعة والكتابة وإنتاج الرأي. فإذا كان الشيخ الفرطوسي يستهدف بسط سلطة الحوزة على الحياة والسينما والكتابة والمنبر، ويؤسس هامشاً لحركة طالبانية في العراق فإن ذلك لن يكون مبرراً للقول بأن نظام صدام كان حراً في رؤيته الثقافية لا السياسية، وأن الأفلام الإباحية التي كانت تعرض في زمن صدام لا تعني أن الثقافة في العراق كانت بخير لكن أخشى ما أخشاه أن يأتي زمن آخر نترحم فيه على الشيخ الفرطوسي ورؤيته لحدود السلطة كما بدأ البعض من المثقفين العرب يترحم على فيلم (أبي فوق الشجرة) بالقياس إلى ما يعرض اليوم من أفلام!