ليتنا لم نتعاط السياسة

TT

في السودان نتحدث دائما عن السياسة وما اجتمع اثنان إلا وكانت السياسة ثالثهما، وقديماً قالها رئيس سابق عندما ضاق ذرعاً بالتظاهرات الطلابية في البلاد «كل واحد يكمل الثانوي يشتري ليه جريدة ويعمل فيها سياسي»، وهكذا نحن، يمكن أن يحدثك شخص عادي عن الكونفدرالية مثلا ببساطة، أو كوفي عنان وتوني بلير أو عن حقوق الإنسان أو عن الجمرة الخبيثة أو النظام العالمي الجديد أو العولمة، بعكس الإنسان في الغرب، الذي أكثر ما يحدثك عن أحلامه الوردية أو الحيوانات التي يربيها أو هواياته ولا يتعاطى السياسة على الإطلاق. وهنا يكمن الفارق بيننا وبينهم، حيث ان السياسة تتحكم فينا ويرتفع صوتها فوق كل الأصوات، وهي أصل كل الأمور، أما عندهم فإن السياسة لا تمثل إلا فرعاً من الفروع، كذلك هناك الاهتمام بالتخصص ولا حلول للقضايا إلا بالتخصص، وليس لديهم حلول «أجاويدية» أو قرارات فوقية أو فردية.

حقيقة نحن عاشقون للسياسة، وتجدنا دوماً نسيّس كل شيء ونعود ونعلق اخفاقاتنا كلها على الأعداء. وقد يفخر المرء أحياناً بأننا شعب يفهم في السياسة، وإذا ما قورنا بشعب كالشعب الأميركي، فقد يجدوننا أكثر فهماً للسياسة منهم. لقد «انهدّ حيلنا» ونحن نتحدث ونتعاطى السياسة تاركين أشياء أكثر أهمية، ولو انقلبت المعادلة وتركنا السياسة وركنا إلى تلك الأمور لربما تغير حالنا وتبدل.

ولعل تعاطي السياسة إرث ظلت الأجيال تتناقله، وقد كان كبارنا يتعاطونها، وكنا نستمع إليهم غير آبهين بما يقولون عن قوات الحلفاء وتركيا وانجلترا والعدوان الثلاثي على مصر وبطولات قوة دفاع السودان.

ان ما يدعو للدهشة حقاً، هو اننا يمكن أن نتدافع بالأيدي والمناكب، ويؤذي بعضنا بعضاً بسبب الجدل السياسي. إن الصراع السياسي صراع مستعر يدعي فيه كل فريق استقامته وهو في النهاية صراع بين حرية تريد لجنودها أن يكونوا أبطالاً ومنفعة تريد أن يكون جنودها أرقاء.