ردا على باجبير تشميت العاطس من هدي المصطفى

TT

اطلعت على ما كتبه عبد الله باجبير (25/ 9/ 2003) تحت عنوان «قطة سوداء» وقد تحدث الكاتب عن بعض ما يعتقده بعض الناس من الخرافات في الحيوانات والطيور وغيرها من الأشياء. وهذا جيد من باجبير أن ينبه إلى تلك المعتقدات الخاطئة، فجزاه الله خيراً. غير أن الذي استغربته من الكاتب، واستغربه كل من اطلع على آخر مقاله قوله: «ومن العادات التي اعتدنا عليها دون تفكير هو حرصنا على أن نقول لمن يعطس: «يرحمك الله»، ويرجع أصل هذه العادة إلى القرن السادس الميلادي. أقول: وهذا الذي ذكره الكاتب مردودٌ عليه، فإن الذي نفاه قد جاء في السنة الصحيحة عن المعصوم ما يؤكده. وبيان ذلك:

1 ـ تشميت العاطس ـ وهو من المخلوقين الدعاء له بالخير، حيث قال أهل اللغة: كل داع بالخير مشمت ـ هذا التشميت منحةٌ من الله تعالى لآدم عليه السلام وللمؤمنين من ذريته: يدل على هذا ما رواه أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما نُفِخَ في آدم فبلغ الروحُ رأسَهُ عطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له الله تبارك وتعالى: يرحمك الله». الحديث رواه الترمذي وصححه ابن حبان. 2 ـ أن تشميت العاطس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحقّ على كل مسلم سمعه أن يشمِّته، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها; ضحك منه الشيطان».

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حقُّ المسلم على المسلم ست» قيل: ما هنَّ يا رسول الله؟ قال: «إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فَعُدْه، وإذا مات فاتبعه» لفظ مسلم. وذهب آخرون إلى أنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ورجحه أبو الوليد ابن رشد، وأبو بكر ابن العربي. وقال به الحنفية وجمهور الحنابلة. وذهب عبد الوهاب وجماعة من المالكية إلى أنه مستحب، ويجزئ الواحد عن الجماعة، وهو قول الشافعية. والراجح من حيث الدليل القول الثاني، والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية، فإن الأمر بتشميت العاطس وإن ورد في عموم المكلفين، ففرض الكفاية يخاطب به الجميع على الأصح، ويسقط بفعل البعض. انتهى ملخصا.

فنلاحظ هنا أن أئمة العلماء مختلفون في وجوبه على العين أو الكفاية، مع اتفاقهم على الوجوب، ولا أقل من الاستحباب المؤكد، في حين يأتي أخونا باجبير ليلغي هذه النصوص. 3 ـ جاءت السنة مبينة أن من عطس ثلاثاً متتابعة فإنه يُشَمَّت في كل مرة، ويقال له في الثالثة: الرجل مزكوم، وهكذا الشأن في الأنثى: المرأة مزكومة. ودليل هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وعطس رجل عنده فقال له: «يرحمك الله» ثم عطس أخرى فقال له رسول الله: «الرجل مزكوم». قال أهل العلم معناه: أنكَ لستَ ممن يُشَمَّتُ بعدها، وفي ضوء هذه المسألة: نعلم خطأ ما ظنه أخونا باجبير، حين قال: «ومع مرور الوقت تحول الاعتقاد إلى أن من يعطس فقد يشتد عليه مرض ما، ومن ثم على من يسمعه أن يدعو له بالشفاء».

4 ـ نبه أهل العلم إلى أوجه الإنعام في العُطاس ومناسبة حمد الله تعالى بعده. 5ـ درج عدد من الناس على أن يقول الواحد منهم بعد العطاس: «عفواً» أو نحوها من الكلمات، وهذا استبدالٌ للذي هو أدني بالذي هو خير، فالخير كل الخير في اقتفاء سنة المصطفى، وقد روى البخاري في «الأدب المفرد» بسند صحيح عن مجاهد أنَّ ابن عمر سمع ابنه عطس فقال: أب. فقال له ابن عمر: وما أب؟! إن الشيطان جعلها بين العطسة والحمد. وأخرجه بن أبي شيبة بلفظ: اش بدل أب. وفَّقني الله وأخي الكاتب عبد الله باجبير لما فيه الخير، وجزاه خيراً على ما أصاب فيه، وتجاوز عني وعنه فيما أخطأنا به.