رداً على عطا الله: بطريقة الحواة جعلتنا بلا مرجعية.. و من يد الدوري ليد دوري آخر

TT

اسأل لماذا يتناول الصحافيون العرب الشأن العراقي «من فوق لفوق»، بحسن نية أو بغيرها، من دون اللجوء إلى الأحداث الحقيقية كما هي على الأرض، وإنصاف الشعب العراقي والتاريخ، سيما وأن شعبنا اليوم يمر في دور النقاهة من طاعون الطغيان الصدامي؟! ان مقالة سمير عطا الله في «الشرق الأوسط» (العدد 9137) في 2003/12/4، تتعرض لشخصية عزت الدوري، وكأنها تتأسف على سقوط النظام العراقي، وتتحسر على أيامه الخوالي! لكنه تأسف يجعلنا نتساءل مرات بمرارة: إلى متى خلط الأوراق وعدم التدقيق في الوقائع. وكتب عن عزة الدوري يقول انه «كان يخاف صدام حسين خوفاً شديداً، ويفضل ان يمضي معظم الوقت في مزرعته. ولم يكن يأتي الى العاصمة الا في استدعاء، او لتمثيل الرئيس السابق في مؤتمرات القمة. وعرف عن الرجل المطارد الآن انه شديد التدين. وكان مزواجاً ايضا»! لقد شعرتُ أنا العراقي بالغبن حقيقة من قلم كاتب عربي جعلني بلا مرجعية، اي من يد الدوري ليد الدوري الآخر! فالكاتب استعرض لنا حياة الدوري، وكأنه رجل مكافح مثالي في سوق العمل، زاهد متدين ومزواج وانتهى الأمر. وغفل الكاتب عن عمد، قسوة كان يمكن لقلمه، بقليل من الحيادية، أن يكتب أفضل الصفحات، ينتصر فيها للمظلوم على الظالم، ويعالج المأساة العراقية على يد الدوري وصدام وكيماوي وغيرهم، بطريقة أشمل وأوسع، للوصول إلى نتائج وتحليلات للمأساة أكثر إنصافا. لكن الكاتب أراد أن يسحب القارئ إلى منطقته، ليملي عليه ضربا من الأسى على مصير حاكم عربي مناضل! أو زعيم عربي ـ يشبه خروشتشوف ـ نهض من قاع المجتمع العراقي بالاجتهاد والعمل، وهو وصف يثير السخرية والحنق، لأن قضيتنا العراقية في واحدة من أكبر الصحف العربية وأوسعها انتشارا، ويطالعها مئات الآلاف من القراء العرب في بقاع مختلفة من العالم. لقد جهد عطا الله في تقديم الدوري باعتباره ضحية، ليس من ضحايا صدام حسين ـ وهو أراد أن يوحي إلى ذلك لكنه لم يستطع ـ لكنه ضحية لأن الزمان أو القدر لم يمهله، ليبقى في سدة الحكم الطاغي أكثر مما بقي، ولا يخلو المقال من لهجة الندب والأسف المبطنة على النظام كله! خطفا من يد الدوري إلى يد الدوري الثاني، نقلني الكاتب بخفة الحواة، من دون أن يكلف نفسه عناء معرفة الحقيقة من مرجعيتي الوطنية: مرجعية شعبي العراقي الذي اكتوى بنيران الطغيان، وكان الدوري على رأس سلطة الطغيان عقودا. وبمعنى من المعاني فإن الكاتب لم ينتصر لشعبي ووطني، فلفظ الحقيقة كلها، القائلة بأن العراقيين شعب اضطهده نظام فاسد متجبر عدواني دكتاتوري جمع كل سيئات الدنيا. وكان حريا بعطا الله أن يسأل الشعب العراقي ـ إن لم يكن اطلع بعد على المأساة العراقية الرهيبة ـ عما اقترفته يد الدوري الآثمة، في المشاركة الفاعلة بخراب وطن كامل! من جهة ثانية، فقد رجَّح الكاتب كفة محمد الدوري على كفة شعبي، ويا له خسران! وكأن ما يقوله محمد الدوري هو القول الفصل، ما دام الأخير كان يمثل النظام المخلوع في الأمم المتحدة، وأحد رموز النظام، وصديق طفولة الرفيق عزة الدوري! إن الأخير هو أحد همج العوجة، لم يتورع عن قتل العراقيين في الانتفاضة سنة 1991، وبما يحمل على كتفيه من نجوم خلعها عليه الطاغية، وأطفأتها ريح الله العادلة. كان قائدا عسكريا ساهم في أعمال إجرامية ضد شعبنا الكردي والعربي. ومثل العراق للتحاور مع الكويت قبل الغزو، أي أنه كان على علم مع المقبور حسين كامل بجريمة الغزو وتشريد الكويتيين. وكان الدوري يد الطاغية اليمنى والمدافع عنه في وسائل الإعلام ومؤتمرات القمة العربية، وغير ذلك كثير مما سيظهر من جرائم، بعد تشكيل لجنة وطنية ندعو إليها لإحصاء جرائم وآثام رعاع العوجة وسقط متاعها.

ثم، هل إن تدين الدوري هو لب المأساة العراقية، كما حاول كاتب المقال الالتفاف على جروح شعبنا؟ وهل مأساتنا واقعة في حلقات الذكر التي كان يقيمها الدوري في الحضرة الكيلانية والرفاعية؟! كان يمكن تجاوز هذه الفقرة بالذات من دون التعليق عليها، لكنها تثير الألم في نفس أي عراقي مزواج ومتدين أو أي إنسان. فالطهرانية المعروفة لدى العراقيين، سيما لدى المتدينين منهم، حادة وصريحة، والمتدين كما هو معروف، إنسان يخاف الله سبحانه وتعالى، ويزهد بالفانية، ويتوجه إلى السماء أكثر مما يتوجه الى الأرض، تاركا مؤونة الحياة الدنيا لطالبيها، مفكرا بالآخرة. وعزة الدوري خلو من قلب المؤمن، بل ليس له قلب على الإطلاق، ودليلنا على ذلك هو اجرامه بحق الشعب العراقي وبقاؤه عقودا طويلة متسلطا على رقاب شعبنا.

ثم هل إن لب المأساة العراقية، أن الدوري رجل مزواج؟! بالضرب على الوتر العاطفي لدى القارئ العربي، يجد قارئ مقال عطا الله، تغييبا واضحا لطبيعة الحكم الشوفيني المجرم في العراق، عبر الحديث عن زوجات الدوري أو قوة الباه لديه! ولربما بسبب هذا المقال يجد البعيدون عن طبيعة الحكم الطاغي في العراق، وكذلك القراء المحايدون وبعض العرب الذين غسل صدام أدمغتهم بخطابه القومي الشوفيني، يجد هؤلاء متعة في استرداد صور المكنوسين المجرمين عن سدة الحكم في العراق، بعدما اختزل كاتب المقال شكل المأساة العراقية إلى كفاح الدوري في الحياة وتنقله بين مهن متعددة، أي أن الكاتب عزل الدواء عن الداء فاختلط الأمر على القراء من غير العراقيين! ان طبيعة النظام القمعي ـ أي نظام قمعي في التاريخ ـ هي طبيعة غير سوية بالمرة، وبالتالي غير إنسانية، وطغيان نظام همج العوجة كان الأبشع بين تلك الأنظمة في منطقتنا وعصرنا، ويمثل الدوري أحد رموزه الرئيسيين، فالأخير لم يكن حسب مقال عطا الله: إلا خائفا من صدام، ويقيم في مزرعته ولا يأتي إلى العاصمة إلا لماما. وهو كلام فيه تدليس، ومغلوط جملة وتفصيلا.