أيها الإصلاحيون.. ابدأوا بأنفسكم

TT

ما الذي يجري؟ عرائض اصلاحِ الى الحكومة السعودية تَجيء وتروح أسرع من قدرتنا على الفهم والاستيعاب، وعلى رأي الفنان الكويتي الكبير سعد الفرج في المسلسل الكوميدي درب الزلق «بَِِسْنا إصلاحات وين بنْحُطهم» مع الاعتذار للتحريف البسيط. سألني أولادي عن معنى الاصلاح؟ أخبرتهم بأن الاصلاحِ حملةَ تهدف لمعرفة الأخطاء وتصحيحها، وذلك بوضع خطة أو مجموعة خطط واضحة المعالم تنفذ وفق خط زمني محدد. أعطتني زوجتي نظرةَ مصحوبة بابتسامة نصر كبيرة. خمّنت فوراً سر ابتسامتها: الاصلاح بنظرها هو أن أكون أكثر لطفاً معها! حمدت الله أن فهمها للاصلاح توقف عند ذلك! بعض الدعاة من رجال الدين، والمعجبين بهم، ينظرون الى الاصلاح من خلال اعطائهم المزيد من الحرية للحد من الفساد الأخلاقي بمتابعة ومراقبة تحركات الشباب والشابات. رجال الأعمال ينظرون الى الاصلاح على انه جملة من القرارات تنصبّ في صالح تجارتهم وبالتالي زيادة في أرباحهم. قمة طموح غالبية النساء، وأستثني العاملات، هو قيادة السيارة. صحيح انه مطلب شرعي ولا استطيع الجدال هنا، ولكن أليس من الأولى بهن البحث عن حلول لمشاكل أكبر كالبطالة والعنوسة؟ الغريب في أمر هذه العرائض أنها كلها تشير بأصابع النجدة الى الحكومة، باعتبار أنها نصبت نفسها من حيث لا تدري المثل الأعلى، تتحمل جزءاً من الحال الذي وصلنا الى ما نحن فيه. ولكن لنلق نظرة على بعض التصرفات «غير الحكومية» ونسأل ان كانت هذه العرائض تعكس رغبة واقعية للتعاون مع الحكومة أم انها مجرد كلام ليل يمحوه النهار. كيف نفسر استدعاء مئات الألوف من عمال النظافة من آخر بقاع الأرضِ لتَنظيف شوارعنا؟ أليس بالإمكان أن نكون أكثر مسؤولية ونظافة ونساعد الحكومة في تقنين هذا الانفاق المجنون في أمور أكثر فائدة؟ كيف نفسر التبذير غير المسؤول في كل ما يتعلق بالهاتف الجوال من مكالمات ورسائل، ناهيك من تغيير الأجهزة بصفة مستمرة؟ أليس بالإمكانِ أيضا أن نكون أكثر مسؤولية ونختصر بعض هذه النفقات التافهة؟ كيف نفسر سلوكنا المفجع في كل ما يتعلق بالأكل؟ في أقرب زيارة لك لمركز تسوق قارنْ كيف تتبضع العائلة السعودية مع غيرها من الجنسيات الأخرى. السعوديون بشكل عام مهوسون بشراء كل ما تقع عليه أعينهم، كأن هناك حربا نووية سوف تقع في اليوم التالي. الغريب في الأمر أن نصف الأكل يكون طريقه الى سلة القمامة في اليوم التالي. العائلة المنتمية للشعوب المنظمة تذهب وتتسوق حسب حاجتها ليوم أَو اثنين، أما نحن فنذهب الى مركز التسوق ونخرج منه بربع محتوياته! كيف نرسل هذه المبادرات الاصلاحية الى حكومتنا بينما يذهب ما يعادل ربع رواتبنا الشهرية في شراء الملابس؟ المضحك هو أن لا أجسامنا ولا البيئة التي نعيش فيها، من طقسِ سيئ وانغلاق وغيرهما، تشجعنا على ذلك. مرة أخرى، أليس بإمكاننا أن نلبس ملابس نظيفة ولائقة ونوفر قليلأ من إنفاقنا؟ كيف نرسل هذه المبادرات الاصلاحية الى حكومتنا والغالبية العظمى من شعبنا يسافر الى الخارج فترة الصيف ليبقى تحت طائل الديون بقية السنة؟ هذه الحملات الاصلاحية تذكرني بشعار الحملة الانتخابية للرئيسِ السابق للولايات المتحدة الأمريكية بيل كلنتون عام 92 ضد الرئيسِ جورج بوش الأب «إنه الاقتصاد». وأنا بدوري أتوجه لأصحاب عرائض الاصلاح ومؤيديها بهذا القول: «إنه الاقتصاد جعلكم الصلاح» ولنبدأ بأنفسنا مع ترقب ما ستسفر عنه مسابقة أفضل عريضة اصلاح لسنة 2003.

[email protected]