السجن أفضل من الذهاب إلى أميركا

TT

تطرق عبد الله باجبير في مقاله المعنون «المريض الإنجليزي!» المنشور بعدد 15 يناير (كانون الثاني) 2004، الي أن البريطانيين مصابون بعقدة النقص تجاه الأميركيين. وحديثه ذكرني برجل اعمال اميركي ذكر لي (بكل اعتزاز) انه سليل جد بريطاني ادين بجريمة، وخيره القاضي بين السجن او الذهاب لأميركا. وهنالك حقيقة لا يعلمها كثير من الناس وهي ان بعض كتاب بريطانيا سموا الأميركان أميركانا تهكما من مجموعة مهمشة لا ترقى لمقام البريطانيين.

نعم! لقد صدق الشاعر الأندلسي الذي قال ان لكل شيء اذا ما تم نقصان، فلا يسر لطيب العيش انسان، فقانون تداول الايام يقول بأن من سره زمن ساءته ازمان; و «لكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون». وعلماء الاجتماع يقولون بأن ما من حضارة سادت الا بادت، وكل حضارة تتأثر بعوامل تؤدي للصعود واخرى تفضي للهبوط، وعندما تفشل قوى الصعود في التغلب على قوى الهبوط تبدأ عملية الانحدار الحضاري. وقد قال ابن خلدون ان محاولات اصلاح الحضارات المتحللة دائما ما تفشل، اي ان القوانين البيولوجية (او الحياتية) تسري حتى على الحضارات والـBell Curve (منحني الجرس) يظل منطبقا رغم انف الجميع. وكتاب الله العزيز يذكر لنا ان ذهاب ريح الحضارات لا يعني بالضرورة فناء الشعوب «أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ». اي ان الشعوب لا تدمر بل تبقى، ولكن ظروفا معينة تؤدي الي انطواء وانكفاء الدولة على نفسها وانتقال الريادة الحضارية الى الغير، كما اورد المؤرخ بول كنيدي في سفره القيم «ارتقاء وهبوط الدول العظمى». ومن المهم جدا ان نلحظ ان عصور تفوق الحضارة الاسلامية هي في الحقيقة نتيجة تراكمية لحضارات متسلسلة من امويين، عباسيين، فاطميين، دولة الاندلس... الخ... نهاية بالأتراك العثمانيين وعصورنا الحالية. وعلى نفس النسق سارت الحضارة الغربية ابتداء بإسبانيا،البرتغال وانتهاء ببريطانيا، المانيا وفرنسا ثم اميركا.

ومن الحقائق الجميلة التي ينبغي الا نغفلها، ان ايامنا هذه، تشهد انبثاق شعب عربي جديد، تتهدده الكثير من المخاطر وتقلص ثورة الاتصالات بين المسافات بينه. فبالرغم من صعوبة المشاق ووعورة الطريق، فإنني اضم صوتي الى الذين يقولون بأن عصور العرب والمسلمين الوسطى على وشك الانتهاء.

E-Mail: [email protected]