ليتني كنت برغوثاً!!

سمير البرغوثي (الامارات)

TT

أن يتمنى المرء أن يكون طبيباً، أو مهندساً، أو مدرساً، فلا غرابة في هذا، أو أن يحلم أن يكون طياراً، أو رائد فضاء، أو عالم كيمياء فحلمه مقبول، ونتمنى له ذلك.

أما أن يحلم بأن يكون برغوثاً أو ذبابة، أو عنكبوتاً، فحلمه غير وارد في تفاسير ابن سيرين، أو غير مطروح في ما اشتهر به يوسف عليه السلام. ولكن أمنيتي أن أكون برغوثاً، ليس تغزلاً في البراغيث، فما أقبح لسعتها في ظلام الليل، وهي «تتنطط» منك إلى أخيك، مروراً على أبيك، مودعة أجساد الأسرة، وهي ممتلئة البطن، ممنية نفسها بغد أكبر عدداً، وأوفر غذاءً.

وتكمن الأمنية في كون البرغوث عندما «يقرصك»، وتبحث عنه، من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، العثور عليه.. هكذا أردت أمنيتي: أن أقرص الناس، وألسعهم، فيفتشون عني.. وهيهات إن وجدوني. هذا هو الضمير غير المتواجد في المصالح الحكومية، والمؤسسات الوطنية، وفي الوزارات، وفي الدوائر، وفي كل مكان يهيمن فيه مدير، أو رئيس ويغيب فيه الضمير.

هنا يأتي دوري (البرغوث) كي أكون برغوثاً لمن لا ضمير له، يسرق الوقت الذي يتقاضى عليه راتباً، أو ذبابة تطن في أذن من سول لها سمعها أن تسمع في دوام عملها غير ما كلّفت به، أو عنكبوتاً تنسج خيوطها حول من لا يذعن لقرص البرغوث، أو طنين الذبابة، فتنصب شراكها حولهم حتى لا يؤذوا من بجوارهم.

إذاً لا بد أن يتوج البرغوث، وتصبح الذبابة ملكة، والعنكبوت رئيساً، في كل مكان، حتى نسلم من أمراض المجتمع، والمحسوبية، والرشوة. وأن يتعامل الموظف مع برغوثه، والموظفة مع ذبابتها، والمسؤولون مع عناكبهم.. هكذا إن اردنا مجتمعاً متقدماً، يخطو بخطى وثابة نحو مكانته بين الأمم، ناشراً حضارته بين الشعوب.

فإلى أن تتواجد البراغيث في مصالحنا الحكومية.. تعالوا نحلم بأن ننشئ مصانع تصنع فيها الضمائر، لعل وعسى أن يكونوا براغيث المستقبل.