لا للتسييس!

العربي اكويز ـ المغرب

TT

لو سألتني: أي الآفات أضرّ بنهوضنا الثقافي؟ لأجبتك من غير تردد: إنه التسييس، فقد اكتسح معارفنا اكتساحا مؤثرا في استشكالاتها واستدلالاتها، وصارفا النظر عما يطبع قضاياها من عجيب التشابك، وغريب التعقيد! ويقع أحدنا في التسييس، متى تعمد أن يُقْحِمَ في تحاليله ما لا يستساغ من الآراء التي ينتصر لها قومه أو حزبه، فمن شأن ذلك أن يوهم، بأن من اقتصر على تأييد هذه الفكرة أو تلك، فقد حاز تمام العلم، ولم يعد محتاجا لمواصلة البحث، سبرا للأغوار، وكشفا للتفاصيل! ولا يخفى ما في هذا النزوع، من قلب للأوضاع، إذ بدلا من أن يحمي الثقافة، إن تكريسها لها، أو صونا لما لها من خصوصية، فهو يطوعها للسياسة، التي بات الناس يخشونها، كما لو كانت قذفا في النار! ولعل الفلسفة، بما تتيحه من التوجيه القريب والبعيد، هي المجال الذي استفحل فيه التسييس، بما لا مزيد عليه، فنحن لا نكاد نعثر على حقيقة فلسفية، لم تتعرض للتضييق، بسبب ما يلازم هذا الوباء عادة من شديد التبسيط، وواسع التعميم، ولا أدل على ذلك، من إصرار بعض المثقفين عندنا، على اعتبار الفلسفة صناعة يونانية خالصة، متناسين ما عداها من ضروب التفكير، التي اختصت بها أمم كثيرة، كالأمة الاسلامية، التي ابدعت أصول الفقه، ونجحت في تقريب المنطق من مجالها التداولي، بطريقة اثبتت للجميع، أن التفلسف على مقتضى اللسان العربي، ممكن جدا، وهو ما يفند زعم «هايديغر» واتباعه، أن الألمانية، هي اللغة الوحيدة التي تليق بما حازته محبة الحكمة، من كبير الاجلال، وفائق التقدير! هذه المواقف، تتصادم مع ما اشتهر به الفلاسفة، من قول بحياد العقل، ووجوب نقده لنفسه، مما يعني أن التسييس، خطب جلل، وأنه متى بقي مسموحا به، فلا سبيل الى التحرر من سافر العنصرية، وظاهر التغريب.

أما أسباب التسييس، فيطول بنا المقام لو أننا مضينا إلى سردها، واحدا، واحدا، وقد يكون من أبرزها:

* ان المثقفين يتنفسون التقليد تنفسهم للهواء، لذلك لا عجب أن يتبنوا رأي القوي، وإن كان، ظاهر الفساد!

* ان الشائع من طرق التقويم، يخلو من المعايير المنهجية، التي لا تنزل الباحث منزلته، الا بقدر تقيده بصارم الموضوعية، ولازم التأنيس (وهو عكس التسييس) فغنّي عن الذكر، ما يتولد عن التسييس من دعاوى لا تنضبط بعقل، وظلم بطال كل من يرفض مكشوف التحريف ومفضوح التزييف!